عمان – الغد – أشهر الكاتب والمفكر أحمد سلامة كتابه الجديد في طبعته الأولى بعنوان “آل عمان”، وسط حضور ضم المئات من أبناء النخبة العمانية في مختلف المجالات، خصوصا من أهل القلم والفكر في احتفالية كبرى، تحت رعاية رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبدالسلام المجالي، وحضور عدد من رجالات الدولة البارزين.
وقال المجالي خلال الاحتفالية التي أدارتها الشاعرة زليخة أبو ريشة، مساء الاربعاء الماضي في قاعة عمان الكبرى في مدينة الحسين للشباب “شاركني مؤلف الكتاب أحمد سلامة العشق والمحبة لمدينة عمان بعامة، وللجامعة الأردنية بخاصة، التي كان لي شرف مواكبة إنشائها منذ أن كانت فكرة وقد تعطل ميلادها إلى أن يسر الله لها الملك الراحل الحسين فتمت ولادتها، ولقد عشت فيها ولها الوقت كله، إلى الدرجة التي شعرت معها أن الجامعة واحدة من الجينات التي تقيم في جسدي كله”.
وتابع المجالي ذكرياته في الجامعة الأردنية بالقول “لن أنس ما كنت أتمتع به من غبطة خلال مسيري في أزقتها، وكنت ألتقي الطلبة والأساتذة والعاملين، وأتناول الطعام معهم في مطعم الجامعة من دون حواجز أو تكلف”.
وأضاف “كنا أفراد أسرة واحدة تتحدث في شؤونها وشجونها بكل شفافية، ولن أنس مفردات الجامعة كافة؛ إنها ذكريات أتمنى أن تظل معي”.
وقال “اليوم، وأنا أقرأ ما كتب سلامة عنها بالأسلوب الشيق للقراءة والذكرى والصور الباكية التي غمزها بدقة وأحب ذكريات من عملوا بها وأفنوا حياتهم فيها ومن أجلها لتدوم منارة وشجرة باسقة”.
من جانبه تحدث أمين عمان عقل بلتاجي عن جوانب من حكاية تعلقه بعمان التي تنصهر فيها كل الفوارق والحواجز بين ساكنيها وعشقها، لافتا إلى أن “عمان كبيرة وعظيمة لأنها تبنتني ثلاث مرات، الأولى في العام 1948 عندما جاء والدي بجوازه البريطاني الفلسطيني ليستبدله بالجنسية الأردنية، والثانية في العام 1969 عندما جئتها عائدا من دولة عربية شقيقة غادرتها بعد سوء فهم مسني هناك، والثالثة عندما كرمني الراحل حسني فريز، وزوجني ابنته الكبرى الطبيبة نوار”.
وقال بلتاجي “إنني من هنا بدأت بالعمل للأردن ولعمان، وبعد أشهر من عملي لعمان جئت لأستصرخ كل عماني وكل أردني بالمحافظة على عمان، فسميتها أمنا عمان ولا أعتقد أن هناك أعز وأغلى من الأم حبا وحنانا وعطاء، وهذا ما يجعلني أقف مع مؤلف الكتاب أحمد سلامة الموقف نفسه من المدينة”.
وأضاف بلتاجي “كان ابن المؤلف فراس يترجم قوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) بأن أحسن إلى والده حين أعطاه كليته، ولا عطاء أعظم من هذا العطاء. وإن هذا اللقاء ليست لقاء محبة لعمان والأردن فقط ولكن التزاما بالعطاء للوطن دائما في ظل قيادته الحكيمة”.
من جانبه تحدث وكيل وزارة الخارجية للشؤون الدولية في مملكة البحرين، الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة عن قصته مع مدينة عمان، حيث درس القانون في احدى جامعاتها، وما يزال شديد التعلق بالمدينة وناسها، مستذكرا احتفالات الاردن بالمئوية الاولى للثورة العربية الكبرى التي ستمنح عمان مزيدا من البهاء.
وأضاف “في عمان ابصرت نور المعرفة وخطوت أولى خطواتي الأكاديمية باكتسابي مزيدا من المعرفة والتحصيل”، لافتا إلى أن “عمان كانت مصدر الوعي والتنمية والتجربة”.
كما تحدث التربوي ذوقان عبيدات حول براعة احمد سلامة في العطاء الفكري والانساني، المليء بالعواطف والقراءة النابهة للوقائع، والاحداث الكبرى التي عاصرتها مدينة عمان في اكثر من حقبة، وصاغها بكتابه بمنهجية تحكي بلسان اردني طلق، فأسبغ على عمان دين الحب على طريقة ابن عربي.
وأشار عبيدات إلى أن صفات المؤلف أحمد سلامة عديدة، فهو كاتب ليس كمثله كاتب، وباحث متفرد، وإعلامي ملأ الدنيا وشغل الناس، وحافظ للذاكرة، “إذا تحدث غضب نصف آل عمان، وإذا سكت غضب النصف الآخر، وهو يدخل القفص بمزاجه، ويخرج منه بمزاجه، ذلك أن المفاتيح دائما تظل بحوزته، ولا يُرى إلا مشاركا أو شريكا، وقد تماهى تماما مع كتابه، وهو معطاء وقد دفع راتبه ذات يوم لفقير كان ساعده بأن أخذه إلى طبيب للعلاج”.
وأضاف عبيدات “ظل أحمد سلامة يبحث عن (ظبيات الجامعة)، وقد أسبغ على عمان دين الحب على طريقة ابن عربي، “لقد كنتُ قبلَ اليوم أنكِرُ صاحبي/ إذا لم يكنْ ديني إلى دينِه داني”، لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورةٍ/ فمرعى لغزلان وديرٌ لرهبان”، أدين بدين الحبِّ أنّى توجّهت/ ركائبه فالحبُّ ديني وإيماني”.
كما تحدث عبيدات عن تلك الوحدة الوطنية التي ملأت الكتاب، عندما تحدث عن المسيحيين والشركس وغيرهم، والكتاب، بحسب عبيدات، ليس كتاب أدب على الرغم من أنه حوى بلاغات لم تتوفر للكثير من الأدباء، وهو ليس ديوان شعر على الرغم من أنه حوى عاطفة جياشة، وهو ليس كتاب تاريخ على الرغم من أن المؤلف استخدم خلاله المنهج التاريخي العلمي في التحليل، ليؤكد: إنه لسان الأردن وقاموسه المحيط.
واستذكر عبيدات الجامعة الأردنية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، مقارنا بين حالها في تلك السنوات وحالها في السنوات الأخيرة، حيث “تم استبدال حلقات الوجودية بحلقات عن الجن، ومعارضها الفنية استبدلت بمعارض لتوزيع الحجاب مجانا على الطالبات”.
ومن جهته لفت نجل المؤلف فراس الى دور الأب في الأسرة والمجتمع والوطن بأكمله، وتحدث عن المحنة الصحية التي مر بها والده ومنحه احدى كليتيه، كما تحدث عن زيارته الأولى الى الديوان الملكي الهاشمي، محل عمل والده آنذاك خلال مرحلة التسعينيات، التي تزامنت مع انزال ستار ذلك الفصل من مسيرة الوالد المهنية، لكنها مثلت لفراس الابن أيضا بداية جديدة بداية صحفية وفكرية متجددة، هذه المشاعر الممزوجة بين فرحة البداية وقلق النهاية، تفصح عن بعد في حياة ومسيرة والدي وهو اصراره على خلق البدايات واختيار النهايات، وهذا ما سيبقى سر من اسرار في مسيرته.
من جانبها قالت الشاعرة زليخة ابو ريشة التي ادارت الحفل ان سلامة يستعيد في كتابه محطات مهمة من تاريخ الوطن وما حققه من منجزات، فهو يطوف بالوقائع التي عاصرها الوطن مستذكرا زملائه من طلبة الجامعة الاردنية واساتذتها ورئيسها آنذاك عبدالسلام المجالي فضلا عمن عرفهم من شخصيات خلال عمله الاعلامي حيث اوضح كثيرا من التفاصيل بشفافية ودون تكلف.
وأضافت “اذا دخلت الكتاب وجدت نفسك في معاني التاريخ، ولكنه الحي يصف الأمكنة كأنه غادرها بالامس، وكأن من غادرها مازال حيا، ومن ما زال حيا كأنه ما زال شابا فتيا يحاورها سلامة، ويجد كل شخص في هذا الكتاب صورة له في تكون الماضي صعودا”.
وختمت ان الكتاب احتوى على ازيد من 400 صفحة تعرف بامكنة عمان البارزة من مساجد وكنائس واسواق ومعالم معمارية وحدائق وجبال واثار، لافتة الى كشك ابوعلي للصحافة بالاضافة الى مسارح ومكتبات وكأنه بمثابة كتاب امتنان للمدينة الزاهرة.
المؤلف أحمد سلامة تحدث ملقياً الضوء على الظروف التي حدت به الى توثيق حراك مدينة عمان، مشيرا الى ان الكتاب جاء ليكون دليلا للاجيال الجديدة، لتدرك ما قدمه الهاشميون من تضحيات في سبيل نهضة الوطن والامة.
وزاد “كم نحزن على بغداد ودمشق، لو أن فتى أراد أن يكتب عنها فأين سيفرح وأين سيغني؟، لم أكن أدري أن عمان ستخذلني صحيا، لكنه القدر، ففي مثل هذا اليوم من العام 2009 تقدم ابني فراس وقدم ما قدمه، لا أريد في هذا الاحتفال ان اسعى في بناء سردية شخصية، لكنني أردت القول ان السردية في التعاطي لمثل هذا المرض يجب أن يعمم تعميما وطنيا، ولهذا فإنني كتبت “آل عمان” بغية هدف سام هو(حمل ونزل عن ظهري) حيث أن تأدية الأمانات مسؤولية وعلينا أن نكتب جميعا”.
وتابع سلامة “أردت تحريض كل الجيل الجديد على هذا العطاء الانساني الذي ينقذ بشرا ويخفف كثيرا من الأعباء على خزينة الدولة، لذا يسمح لي عمدة عمان عقل بلتاجي قبول ريع كتابي؛ اخصصه لامر ترونه مناسبا، بعد أن نفضت يدي منه ولن أوقع كتابا منه ولن أهدي نسخة واحدة، فتوقيعي هو ما في الكتاب، وأن يكون وقفا وطنيا خالصا”.
وقال “علينا أن نكتب ما عشناه، وأحرض الجيل الجديد على بذل المزيد من العطاء، على صعيد (التبرع بالأعضاء)، وأعلن سلامة أن ريع الكتاب سيخصص لصالح مشاريع وطنية بما يراه أمين عمان مناسبا. وختم المؤلف حديثه بشكر المؤسسات الأمنية الأردنية التي لم تدخر جهدا في الحفاظ على أمن الوطن وسلامته، وخلص إلى القول: علينا أن نحترم الفوارق لنحقق الجوامع، ليختتم الحديث مقدما أمين عمان للقيام بتسليم الدروع التكريمية على المشاركين في الاحتفالية”.
وخلال الحفل تم عرض فيلم قصير عن عمان والمراحل المهمة التي مرت عليها في النصف الثاني من القرن الماضي.
واستغرق الكتاب من مؤلفه سلامة أشهراً من الإعداد وأخرى من المراجعة، وإعادة النظر، ليؤرخ لجانب من سيرة المدينة وأهلها وتحولاتها منذ أن بدأت علاقة سلامة مع عمان طالباً محملاً بالطموحات والنبؤات آتياً من قرية بديا القريبة من مدينة نابلس.
يتطرق الكتاب لتجربة أحمد سلامة طالباً وفاعلاً سياسياً وكاتباً ومؤرخاً ومفكراً وصحفياً ورجل دولة، ويروي الكثير من المواقف التي جمعته بالرجال الذين صنعوا الأحداث في مختلف فترات تطور مدينة عمان، مع الكثير من الدروس التي استفادها سلامة من تواجده في الديوان الملكي العامر والتي مثلت تحولاً جذرياً في نظرته للمجتمع وتفاعلاته بحيث يستوعب فكرة المسؤولية من منظور آخر غير الذي تبناه في مسيرته السابقة على تلك المرحلة.
وحرص سلامة على تقديم تجربته في إطار يراهن على الروح الجامعة للمدينة بحيث تكون تفاصيل الكتاب التي رصدت أحداثاً وشخصيات تركت أثارها، أو أنشبت مخالبها، في عمان، بمثابة الإلهام للجيل الجديد من المؤمنين بالوحدة الوطنية وتفرد التجربة الأردنية وجدارتها بأن تطرح نفسها نموذجاً متحضراً وحداثياً في المنطقة العربية.
يذكر أن سلامة أخذ ينحى في كتاباته الأخيرة للتركيز على بناء تراث من القيم الفكرية والمعرفية لتبقى للأجيال القادمة أمانة ومؤونة أمام التحديات التي يحتمها الانتقال إلى فضاءات العولمة وتلاشي فكرتي الزمان والمكان التقليديتين أمام سلطة تطور وسائل الاتصال والتواصل، وقد جاء اختيار موعد احتفالية التوقيع في الثالث عشر من نيسان (أبريل)، وتمام الرابعة عصراً، تزامناً مع الذكرى السنوية للعملية الجراحية الصعبة التي شهدت تبرع الابن فراس سلامة لوالده بإحدى كليتيه بما منحه، وأتاح لعشرات من تلاميذه ومريديه، أن يحظوا به من جديد، وداخله إصرار على أن يضع نصب عينيه أن يسعى ليترك تراثاً فكرياً يتأتى تحت تصنيف ما ينتفع به الناس وإليه يلجأوون.
وسوف يتوجه ريع الكتاب لحملة انضوى فيها مجموعة من الشباب والأصدقاء لسلامة من أجل تشجيع ثقافة التبرع بالأعضاء من خلال الجمعيات العاملة في المملكة، ومن خلال جائزة سيطلق عليها تسمية فراس سلامة وذلك لتشجيع الكتاب والصحفيين على نشر الوعي بين المواطنين، خصوصا الشباب والأطفال بما يمثله نقل الأعضاء والتبرع بها من عمل نبيل يعطي فرصة الحياة ليس للمتلقين للتبرع ولكن لأسرهم وأحبتهم.