عن الهلال وأحمد سلامة .. ورجالات الأمير الحسن

تكرست الكتابة في ذكرى ميلاد الصحف كتقليد مهني، حرصت الجرائد على التمسك به في اطار الزهو بما تحقق من انجازات وتميز على مدار سنين صدورها، ولكن أحدا لم يكتب عن ذكرى وفاة الصحف على كثرتها، فالصحف مثل البشر تحيا وتمرض وتشيخ وتموت، لأنها الاطار الذي تجمع اسرتها وتصنع روحها مع كل اشراقة شمس.

في بداية الألفية الجديدة صدرت صحيفة الهلال التي جمعت اسرة كبيرة من الصحفيين وشكلت علامة فارقة في الاعلام الأردني، لجهة وضوح رسالتها باعتبارها حزمة من الورد تم نثرها على روح جلالة المغفور له الملك حسين طيب الله ثراه، وتم تحديد موعد صدور أول عدد منها في ذكرى ميلاد الراحل العظيم الحسين.

ولتلك قصة تستحق أن تروى

في بداية عام 2000 انطلقت فكرة اصدار الهلال كصحيفة بإلحاح من قبل العديد من الزملاء على الكاتب الصحفي المعروف الاستاذ احمد سلامة الذي تحمس للفكرة وتم تاسيس الصحيفة برئاسة تحرير الاستاذ عبد الله العتوم، وبقيادة الأستاذ جورج عيسى لفريق التحرير.

وقد تحولت مكاتب الصحيفة في مبنى “العرب اليوم” في ذلك الوقت الى خلية نحل لتداول الأفكار والتصورات حول شكل الجريدة، وسط مخاوف كبيرة بسبب التداخلات والتعقيدات في تلك المرحلة، نظرا لوجود سميح البطيخي مديرا للمخابرات ولتشكيكه المستمر بنوايا الصحيفة وتوجهاتها وموقفها من العهد الجديد للملك عبد الله.

ذلك أن البطيخي لم يكن على علاقة طيبة بسلامة، وترصد له العداء في عدة مرات ومواقف بحكم عمله السابق مع سمو الأمير حسن، فالبطيخي نجح في اشاعة هواجس أمنية عديدة حول كل من عملوا مع الأمير الذي تصرف كجندي من جنود الحسين في امر ولاية العهد وظل داعما لخيار الحسين حتى يومنا هذا.

الا ان علي الفزاع المستشار في الديوان الملكي قرر ترتيب لقاء لسلامة مع جلالة الملك في بيت البركة دون علم البطيخي بذلك.

ذات مرة أسر لي سلامة بما حدث في ذلك اللقاء بقوله “اخذت كل وقتي مع جلالته واستمع الي بمودة من يعرف ان الكتاب يتم توريثهم مثل كل الأشياء الجميلة”.

هنالك تفاصيل كثيرة تم تناولها في ذلك اللقاء ولكن جلالة الملك عبد الله سأل سلامة : ومتى ستصدرون “هلالكم” ان شاء الله ؟؟

وبطبيعة الحال فإن السؤال يعني ان ارادة المليك قد نفذت بالموافقة على اصدار الصحيفة رغم كل التقارير التي شككت بأهدافها ونواياها !!

حينها سحب سلامة من جيبه الرسالة الشهيرة التي دلاها الحسين كوسام على صدر الصحافة الاردنية حينما رد الحسين على مقال لسلامة برسالة يوم 6/6/1989 ونشرتها كل الصحف الأردنية، وقال فيها الحسين لسلامة “انك اجرأ من عرفت”.

تلك الرسالة وان كانت تكريما لسلامة بالدرجة الأولى فإنها ايضا تكريم لرئيس تحرير الرأي انذاك الاستاذ راكان المجالي الذي رعي سلامة في المهنة ووفر له كل الدعم منذ ان كان رئيسا لتحرير الأخبار عام 1976.

وأجاب سلامة الملك عبد الله على سؤاله في ذلك اللقاء انفاذا لعهد الحسين رحمه الله فإنني استأذن جلالتك أن يكون عيد ميلاد سيدنا الحسين كذكرى هو يوم صدور الهلال، فما كان من الملك إلا ان قال :”شكرا لوفائك يا احمد”.

وصارت الهلال صحيفة وشغلت الناس وتحولت الى منتدى فكري وثقافي، وتكرست كظاهرة صحفية ما تزال حاضرة في اذهان الكثيرين.

واذا كان الكل يروي التاريخ حسب طريقته فمن موقعي كرئيس لتحرير هذه الصحيفة لأكثر من سبع سنوات فإنني أؤكد ان هذه التجربة اتاحت لي التعرف على معظم رجالات الأردن، اللذين كانوا يتوافدون للصحيفة تقديرا لرسالتها ولناشرها الذي ظل على عهده مع الحسين حينما تصدى لأكاذيب هيكل وفندها بالوثائق، وكتب بعد ذلك مقالا دفاعا عن الملكة رانيا في مواجهة الهجمة التي تعرضت له وهو في الغربة.

الهلال الصحيفة انتقلت الى رحمة الله بعد أن تم ذبحها من الوريد إلى الوريد من قبل مدير المخابرات الاسبق محمد الذهبي، ورئيس الوزراء السابق معروف البخيت، وقد يكون باسم عوض الله قد وافقهما، وتلك قصة أخرى.

وربما تكون المفارقة ان هذا هو الشيء الوحيد الذي اتفق عليه الرجلان، حينما كانا خلف قمرة القيادة.

وها نحن اليوم نتذكر الهلال في عيد ميلادها الذي هو عيد ميلاد الحسين، وسط سؤال ملح في ظل فوضى الاعلام.. لماذا لم يتم الاستفادة من كاتب الحسين ..

لقد جمع مكتب الامير الحسن الخيرة من مثقفي الأردن وسياسيهم، وكان ذلك المكتب رديفا لمكتب الملك حسين، وقد اعطتهم هذه التجربة ما اهلهم لتبوأ مناصب هامة ورفيعة، فعون الخصاونة الذي عمل مستشارا قانونيا في مكتب الأمير حسن ها هو اليوم رئيس وزراء المملكة الأردنية، وسمير الرفاعي الذي عمل سكرتيرا في مكتب الأمير اصبح رئيسا للوزراء، ومعروف البخيت عمل كسكرتير عسكري وباحث في ذات المكتب ايضا اصبح رئيسا للوزراء مرتين، وأيمن الصفدي كذلك اشتغل كمستشار صحفي، وحصل نفس الأمر مع ناصر جودة.

لقد رأيت المودة والحميمة في نظرات الرئيس عون الخصاونة ذات مرة وهو يتخاطب مع زميله السابق احمد سلامة، ولكنني استغربت اشد الاستغراب من عدم استعانة الرئيس به، على الرغم من معرفته بإمكانياته وقدراته التي يعرفها الجميع.

ان من يعرف سلامة على ثقة مطلقة بأنه ليس من ذلك النوع الذي يقول ان الجغرافيا خذلته، فهو مترفع عن كل هذا الجدل المقيت، ولم ينزلق الى هذا المنحدر في كل حروفه النابضة بالوحدوية.

لقد زرت سلامة في البحرين عدة مرات حيث يعمل هنالك مستشارا لولي العهد. وهو ليس جالسا تحت “الشوب” بل في ظل ظليل يحسده عليه الكثيرون، فهو ليس باحث عن وظيفة.

وعلى حد تعبير احلام مستغانمي فإن الصحف تشبه ناشريها وما دمنا قد تذكرنا الهلال فإن لناشرها حق بالتوقف عند اثره الطيب.

ومن موقع الزمالة التي ربطتني مع احمد سلامة خطر على بالي سؤال وأنا ادلف عليه برفقة الاستاذ باسم سكجها والزميل رداد القرالة في مستشفى الأردن حين كان صديقي فراس ولده الأصغر قد قطع دراسته في انجلترا وعاد الى الاردن ليقدم كليته، كي يرانا ابو رفعت مرة اخرى بها، فالجواهر لا ترى على شدة غلائها لكن العيون الصادقة وكلية الابن الوفي ترى كل شيء.

كان السؤال يلح علينا انا وباسم ورداد عندما غادرنا غرفة الابن فراس الى غرفة ابيه ..

لماذا هجر الأردن احمد سلامة ؟؟

ولماذا لم يعد احمد سلامة حتى الآن ؟!

حين غادر سلامة المستشفى الى بيته رأيت ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة يدخل جبل عمان مصطحبا كل ابناء عمه لعيادة احمد سلامة في بيته، ولم يكن قد مر على رفقته لسموه ما يزيد عن ستة اشهر.

حزنت كثيرا بقدر ما فرحت لأحمد ..

حزنت على بعض قيم فاتتنا وفرحت لأحمد لأن جمعة حماد قد قال له ذات يوم “الموهوب لا يضام يا ولدي، وانت اكثر من رأيته موهبة”.

ربما ان تلك البشرى لذلك الشيخ الجليل في المهنة هي التي كانت وبالا على احمد.

حين كنت ارى سمير الرفاعي ومعروف البخيت وعون الخصاونة زملاء واصدقاء لأحمد، كان املا في داخلي يغزوني في كل مرة “ينط” فيها واحد منهم الى الكرسي الأول وتبث فوضى الحواس في داخلي وهما اكبر من ان يدارى واقول لقد عاد لا محالة.

بعد عون الخصاونة ادركت باليقين ان احمد لا يستطيع العودة مع رئيس لأنه لا يستطيع ان يعمل عليه رئيس، ففي سحر معرفته بدقة تفاصيل الاردن يسبقهم كلهم، وبهذا المعنى اظن ان احمد لا عودة له الا على وطن او في خدمة ملك ..

احب في عيد الهلال الأول ان احلم بصحافة اشاعها احمد سلامة حين ادخل السياسة للصحافة .. في بلاط جلالة المغفور له الحسين وكل غير جاحد في المهنة يقرأ ما كتبت، يقره بينه وبين نفسه حتى لو اشهر عبر ذلك كتابة.

نحت العرب قديما مصطلحا والعود احمد

واحب في ذكرى الحسين والهلال ان اتمنى ان تكون العودة لأحمد حقا له علينا.