ثرثرة على سفوح (سوف)

شتى الأصول والمنابت عبارة يمكن أن تبدو غامضة خارج الأردن، وغير واضحة أو محددة المعالم في الأردن، وعلى ذلك فهي عبارة شائعة الاستخدام، حتى أنها أصبحت من لوازم الخطابة والكتابة، وكشأن بقية العبارات المشابهة، فهي تمثل حالة يمكن أن تعيشها دون أن تكون بالضرورة قادرا على وصفها، ولذلك كانت المأدبة التي أقامها الخال عبد الله العتوم في مزرعته على سفوح قرية سوف بجرش تعطي الحضور فرصة التلاحم مع هذا المفهوم.

فالدعوة وجهت بالأساس إلى رهط من أصدقاء الكاتب الكبير أحمد سلامة وتلاميذه ومريديه، فكان من الفريق الأول باسم سكجها الذي يعيد تعريف يافا بوصفها الحلقة المفقودة في قوس الحضارة الممتد من الاسكندرية إلى بيروت، وكان منهم سمير الحياري بسيجاره الذي يعطيه صورة الباشا ذلك اللقب الذي أصبح يلاحقه مع أن سمير يحاول أن ينتمي موضوعيا لطبقة العمال ويراهن على مستقبله منحازا لهم، وبين التلاميذ يحضر فريق الهلال بطقوسه وتقاليده ممثلا بعصبة مرموقة من ابنائها، وكان في إمامة المريدين زيد الحموري، وكالعادة كان اللقاء يشتمل على ممثلين رفيعي المستوى للعقل الجمعي الأردني في مقدمتهم الدكتور صبري اربيحات وممدوح العبادي والنائب الأسبق المحامي البارز جمال الضمور والدكتور علي العضايلة والزميل محمد الخطايبة والزميل محمد خير الرواشدة والزميل سامح المحاريق والمهندس خالد محمود سعيد والزميل عصام قضماني وسعد العامور وعمر سلامة والزميل جهاد جبارة وبكر العبادي وناجح نصار وعصام كساب وسميح جبريل وإبراهيم باسم سكجها والشيخ أحمد العتوم والدكتور أنور العتوم والزميل وحيد الطوالبة.

لماذا مزرعة الخال؟ ولماذا جولة جديدة من اللقاءات خارج المدينة؟

أهل القلم في الأردن، كغيرهم من بقية الكتاب والصحفيين في الشرق، يعانون من اختناق وجداني يتمثل في اتساع الرؤية وضيق العبارة، والضيق ليس لعجز عن ملامسة فاكهة الكلمة، أو حتى القبض عي جذوتها، ولكنه متأصل في بيئة عامة جعلت ما يمكن قوله لا يتخطى رأس جبل الجليد، أما ما هو مخبوء، فجبل يمكن أن يلتهم بين فكيه (تايتنكات) كثيرة.

المزرعة في الأردن هي المعادل الموضوعي للعوامة في مصر، كما وصفها نجيب محفوظ في رائعته ثرثرة فوق النيل، مع فارق جوهري يتمثل في الذكورية الطاغية على اجتماعات المزارع في الأردن.

البعض يمكن أن يتخيل أن المزرعة مكان للتحلق حول تحزبات أو تفاهمات، وذلك يمكن أن يبقى صحيحا في حالة كان الحضور دون أصابع اليد الواحدة، وهذه مسألة متعذرة في جلسة للاحتفاء بأحمد سلامة، أما الحضور وكانوا يلامسون حدود الأربعين شخصا يمثلون صورة مقطعية للنخبة الأردنية بكامل أطيافها، فأحمد سلامة ابن الدولة الأردنية وأحد سدنتها يتميز عن غيره بأنه يعانق المشهد على اتساعه من الشيوعيين إلى السلفيين، مع الابقاء على القوميين في مكانة أثيرة لديه.

انقسمت السهرة إلى فرعين بناء على الأجواء المتقلبة التي استبدلت لمسة من القشعريرة بشمس جرش الربيعية، فكان نصيب غير المتحوطين لهذه الأجواء البقاء في حضرة التجليات الصوفية لباسم سكجها، أما من تحملوا البرد فكانوا يستمعون لسحر حديث سلامة الذي يمرر القضايا المستغلقة بكثير من البساطة وبنبرة مشاغبة، وفي النهاية فقد رحل الجميع برؤى جديدة يصقلها الاختلاف الذي تظهر فضائله إذا ما توفرت له البيئة الحاضنة من المحبة والاحترام..

@المملكة اليوم