احمد سلامة في ضيافة “الحاكورة” ..

عمون – في تموز 2013 وعلى امتداد معظم أيام شهر رمضان الكريم كان أحمد سلامة يدعو العشرات من الزملاء الذين تنازعتهم تصاريف الزمن فدفعت بعضهم إلى أقصى اليسار وآخرين إلى ما استطاعوا من اليمين سبيلاً، وربما فيما يمكن أن يعزوه البعض إلى تعلق من الجانب الطقوسي أتت بدعة الأستاذ سلامة في أن يقدم لضيوفه الجوز والسمسم والعسل والتي أسماها السمرقندية واستوحاها من رواية سمرقند لأمين معلوف، وعلى هامش الأمسيات الصيفية بدأت تنتظم حلقات من الحوار السياسي التي تشهد تكليفاً لأحد الضيوف بإدارة الجلسة مع مجموعة من الصلاحيات لبعض المشاركين أو أقطابهم وخاصة أصحاب التجربة الفكرية أو السياسية، وفي هذه الجلسات التي حملت طموح الخروج من الثرثرة إلى نواة ندوة سياسية أو فكرية منتظمة انتقلت الفكرة بين مجموعات من النخبة الأردنية وخاصة من أصحاب التواجد الإعلامي مثل الزميل هاني البدري الذي استضاف نيابة عن مجموعة الحاكورة التي تمثل العشرات من أبناء جيل الوسط في الصحافة والبيروقراطية الأردنية ندوة كان ضيفها الأستاذ أبو رفعت وأتت في سلسلة من الندوات التي نظمت من قبل مجموعة الحاكورة واستضافت مجموعة من رجال الدولة المهمين والمؤثرين.

اصطبغت جلسة الحاكورة الأخيرة، أو ندوتها كما يفضل الأعضاء تسميتها، بكثير من التربص والترقب، فأحمد سلامة لم يشغل فقط دوراً إعلامياً من خلال تواجده التأسيسي في الرأي، ولم يكن فقط قريباً من القيادة السياسية في موقعه بالديوان الملكي، ولكنه قبل ذلك مفكرٌ ومؤرخٌ ومنظرٌ سياسي لا يمكنك مهما اختلفت معه أو خالفته في الرأي أو التوجه إلا أن تمنحه حواسك الكاملة وهو يمسك بناصية الحديث في ظاهرة من الصعب مقاربتها إلا من خلال التعرف على أحد أكثر الشخصيات التي يدفع سلامة بأقوالها من وقت لآخر وهي الزعيم السوفييتي فيلاديمير لينين، وربما بقيت هذه الشخصية مثل بالنسبة لسلامة بصورة أو بأخرى النموذج الذي يسعى إليه، ولذلك فلا يسعه إلا الابتسام في حالة الإشارة المتذاكية لتاريخه اليساري الذي أجهضه مبكراً الأمين العام الحالي للحزب الشيوعي المسؤول في السبعينيات عن التواصل مع شباب الجامعة الصاعدين الرفيق فرج اطميزه، فكان تقدير الأخير أن نمط سلامة لا يمكنه أن يتماشى مع أبجديات العمل تحت الأرض بكل ما يحمله من فضول فكري واجتماعي كان ليمثل عبئاً على التنظيم أكثر مما يشكل إضافة له.

في وسط مجموعة من الأسماء البارزة في الكتابة الصحفية والإعلام المرئي تمثلت في الزملاء سمير الحياري ورجا طلب وعصام قضماني من جيل الوسط المتأهب بكثير من الأسئلة التي يمتلكون جزءاً من إجابتها بينما يحتفظ سلامة بالجزء المتبقي أو القطعة الأخيرة والحاسمة في المشهد الفسيفسائي الذي يتعلق بسنوات الثمانينيات والتسعينيات، ومعهم كان يحضر الفضول والشغب لدى أسماء من الجيل الجديد بين الكتاب مثل محمد خير الرواشدة وسامح المحاريق، تولى الزميل عمر كلاب إدارة الجلسة في سيطرة اكتسبها من خبرته التلفزيونية إلا أنها تحولت إلى مجاهدة مخلصة للخروج من مأزق أو تأزم اعترض مسار الحوار وجعله برسم التراجع للفرعي والتفصيلي على حساب الأصيل والجوهري.

من بداية موفقة استهل بها عمر كلاب الحوار حين قارن بين أستاذية هيكل في مصر وأستاذية سلامة في الشام، بدأت الموضوعات الساخنة تتوالى وكالعادة كان الحديث عن الهوية الوطنية الأردنية والربيع العربي ومآلاته ومساراته المحلية ينتزعان صدارة الحوار ويشكلان الخيط الذي تلتئم حوله حبات المسبحة التي أمسكها سلامة بكثير من الحرفية والموضوعية، فكانت البداية في شرحه لمفهوم الأردن فيما يتعدى الحيز الجغرافي ليربط بين تطور مكونات المجتمع الأردني بموازاة التراث العميق للهاشميين اعتباراً من الشريف أبي نمي في مكة، وبداية التقاليد الطويلة والثابتة التي عملت الملكية في الأردن على صيانتها وتطويرها، وأكد سلامة على أن مفهوم الدولة لم يعد ينطبق في المشرق العربي إلا على الأردن، فهي اليوم تمثل غاية في الاستقرار والتآلف تحتاج أي دولة عربية أخرى مهما كانت تستند على أطر عميقة ومتجذرة لعقود من الزمن لتصلها، كما ووضع مقارنة شاملة بين الهاشميين بوصفهم مشروعاً قومياً والمشروعين البعثي والناصري، وعوامل سوء الفهم والالتباس التي صبغت العلاقات الأردنية المصرية والأردنية السورية بناء على ذلك، مؤكداً على أن الخلاف بين الملك الحسين والرئيس عبد الناصر انطوى في السنوات الأخيرة بعد أن أدرك عبد الناصر أن الحسين يمثل في المقابل القيادة العربية الوحيدة صاحبة الفكر والرؤية، وأن المشروع الأردني لا يمثل مزاحمة لمشروع مصر وطموحاتها، مؤكداً على أن الزعيمين وقعا بالخطوط العريضة اتفاقاً للوصول إلى حل في المنطقة على أن يشتمل على وضع مدينة القدس وقضية اللاجئين قبل أي قضية أخرى، وهو الأمر الذي دفع بالتأزيم بين مصر السادات والأردن وصولاً إلى صراع مبطن استهدف إزاحة الأردن من المشهد الفلسطيني في الضفة الغربية مع قرارات فك الارتباط التي يقف سلامة ضد وضعها في إطار قانوني أو دستوري لما يتضمنه ذلك من إخلال آلي بوضعية مدينة القدس ويدخلها في متاهة قانونية ستكون اسرائيل صاحبة المبادرة النظرية والعملية في التعاطي معها.

اشتمل حديث سلامة على دعوة للتسامح وتجنب إعادة إنتاج أزمات الماضي في صورة جديدة، مؤكداً على أن المجتمع الأردني يحتاج قبل أي حديث عن المستقبل الاقتصادي إلى بناء أرضية ثابتة من التآلف الوطني الذي يتجاوز حتى مفهوم التسوية التاريخية أو التصالح مع الذات، ولكنه ينصرف للتأكيد على العيش المشترك ضمن مفهوم هوية وطنية صاحبة مشروع قومي، وأن الأردن الذي يتوقع سلامة بحاجته إلى نحو عقد من الزمن ليتصدر مكانة محورية في محيطه الإقليمي يحتاج إلى هذه الروح التي تتجسد في التماهي الفعلي والحقيقي بين مكونات الشعب الأردني الذي يمتلك مشروعية وعمقاً أكثر من أي شعارات أو مقولات للاستهلاك الإعلامي.

لم يتغيب المشهد الإعلامي عن خلفية الحديث فرأى سلامة أن الأردن بحاجة لاستعادة أدواته الإعلامية، وأن عملية التجريف التي تعرضت لها مسيرة الإعلام في المملكة منذ منتصف التسعينيات يجب أن تخضع لكثير من إعادة النظر، خاصة بعد الأدوار التي يؤديها الإعلام اليوم والتطورات التي حدثت على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، وكان التعرض لتشخيص مشكلات الإعلام نقطة تحول في الحوار الذي استقطب مجموعة من الصحفيين والإعلاميين والمتابعين، مما اضطر ضيف الندوة إلى التذكير بما عرضه مسبقاً من استراتيجية مقترحة لتجاوز مشكلة حضور الماضي وتركته في الوقت الذي يجب أن يستنهض الأردن كل إمكانياته من أجل المستقبل.

الحوار تعرض أيضاً إلى مجموعة من الملفات مثل الإخوان المسلمين والعلاقات الأردنية – الخليجية وما يسمى بالصراع السني – الشيعي، والأزمة في سوريا، وهي المواضيع التي ستحضر بالتأكيد لدى الحضور من الصحفيين سواء في الصحف اليومية أو المواقع الالكترونية أو البرامج التلفزيونية، ويبدو أن الزميل هاني البدري صاحب الدعوة لمزرعته في جلعاد والذي كثيرا ما التزم الصمت من منطلق موقعه ذلك قرر أن ينفرد بالأستاذ أحمد سلامة في لقاء شخصي سيتحول في وقت قريب إلى مشروع لواحدة من أنشطته الإعلامية.

@عمون نيوز