أحمد سلامة .. يراقص الشيطان

عايدة النجار قدمت كتاباً صغيراً ومتحفظاً وخجولاً عن بنات عمان أيام زمان، ولقي ما لقيه من نجاح، ولكنه لم يكن في الواقع الا زيارة رومانسية لتاريخ قديم، قطعة صغيرة من الشيكولاتة بالبندق، أو المعمول المضمخ بماء الورد، أما (عرق) المدينة وناسها، ذلك الذي تقطر في سنين من التأمل، وجرى تعتيقه بعشرات الحوارات والمواقف والصراعات، فشيء آخر تماماً، وربما يكون كتاب الأستاذ أحمد سلامة الذي يعتزم اصداره ، هو الكأس الأول في فن جديد لتعرية عمان، وإخراجها من صورة فتاة الخدر أو الهودج، لتصبح امرأة عصرية منهكة ومثقلة بنزوات العشاق وإدعاءاتهم.

أحمد سلامة، وحسب الأخبار الأولية، وبعد الإطلاع على أطراف من الحديث، وبعض جلسات العصف الذهني الخاصة بإعداد الكتاب، يستجلب شخصيات عمان التي تحولت خلال العقود الماضية إلى موضوعات ساخنة، وأبو رفعت الكاتب المتميز والصحفي المتمرس ورجل القصر المهني لم يكن بعيداً إطلاقاً عن مفاصل كثيرة بقيت غامضة إلى حد بعيد، وقراره بإماطة اللثام عن بعضها أو معظمها مسألة تشبه دعوة الشيطان شخصياً لمراقصته في جبل القلعة، فالشيطان يكمن في التفاصيل، وسلامة رجل يعشق التفاصيل، وفوق ذلك كله، تأسره التفاصيل الخاصة تلك التي لم يلتقطها أو يتوقف عندها غيره.

ومن المتوقع ان يتضمن الكتاب التأريخ النهائي لعمان و رجالاتها في الأربعة عقود الماضية مشتملا على تجربة أحمد سلامة الصحفية والسياسية التي أوته تحت سقف صاحب الجلالة و صاحبة الجلالة ثلاثين سنة خلت لتمثل تجربة غزيرة الفضاء من الخبرة الإنسانية المعتقة والمدهشة التي تعلن عن حضورها في مداخلاته خلال جلساته الخاصة و العامة.

الكتاب السادس و الجديد و ربما الأخير لأحمد سلامة يتضمن مجموعة من الفصول حول الأحداث والتحولات والشخوص التي كان لها دور كبير في الحياة العامة الأردنية من وحي تجارب شخصية عاشها الكاتب ووقف على تفاصيلها و لا تزال غير معروفة للكثيرين و فبعد أن كانت مهردار رحلة إلى المنابع الأولى، يأتي هذا الكتاب ليروي خلاصة مهمة من التاريخ ليعري دكتاتوريته ويشذب أطراف الجغرافيا ويتحدث عن بهاء عبقريتها التي عايشها أحد أبرز الصحفيين الأردنيين في عمان، و يكشف أسراراً كان عكسها اليقين قبل أن يوثق أحمد سلامة ما يطوح بذلك اليقين. و قد خبرنا ذلك في جلده في التعاطي مع الوثائق من الأرشيف العثماني حتى وثائق الخارجية البريطانية في كتابه الأول “الهاشميون و فلسفة الحكم” الذي طبع منه ثلاث طبعات منها واحدة خصصت لوزارة التربية و التعليم و قيادة الجيش بأمر من صاحب الجلالة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه, عام 1991.
ويروي الكتاب الجديد الذي سيخصص لعمان و أهلها منذ عام 1972 حيث انتقل الزميل أحمد سلامة من طالب نابلسي يؤم المصلين في صلاة الجمعة الى طالب جامعي “تروتسكي” تجاوز أكاديمية كارل ماركس ليدرك قناعته بالثورة العربية الكبرى منتقلا اليها من نظرية الثورة الدائمة في القطاع الغربي لحركة فتح و تأثير تروتسكي في تلك الحقبة. و من هناك تحمله الرحلة ليُنطق المكان حتى يتلو لأول مرة عذاب الحزن النبيل الذي عاشه بوفاة الحسين, راعيه و ملهمه, و كيف كان الانتقال الهاشمي للملك من الحسين الى أب الحسين و المتمثل في أسرار اللحظات القاسية التي عاشها الكاتب.

وسيفرد الكتاب الجديد فصلا خاصا لقصة انتقال ولاية العهد الى جلالة الملك عبدالله الثاني واللحظات الاخيرة من عمر الحسين طيب الله ثراه، ولأول مرة تظهر في الكتاب بعض التفاصيل للدور الاجتماعي والسياسي لسمو الأمير بسمة بنت طلال .

وسيجد القارئ ‘الشريف زيد بن شاكر، و ذوقان الهنداوي، و سليمان عرار وجمعة حماد ومحمد السقاف، و مصطفى القيسي، و سميح البطيخي، ومحمد الذهبي ،و سعد خير وفيصل الفايز’،وابراهيم سكجها وسمير الحياري وعبود ابو حسان وسامية نفاع وليلى شرف ومي ابو السمن واسمى خضر وجمانة غنيمات وكل ما لم يعرف عن مسائل الخلاف التي دارت منذ عام 1996 خلف الأسوار المرتفعة وكان الكاتب أحد رموزها.وكذلك يتطرق الكتاب الى مسائل الخلاف التي كاتت مدفونة.

تفاصيل كثيرة ستمثل حدثا استثنائيا ، حيث ستحضر في الكتاب العديد من الوجوه والأسماء القادمة من الغياب، وغيرها من كثيفة الحضور، وستكون ريشة سلامة حاضرة لترسم بكلماته (البورتريه) الأهم في مسيرته، ليمثل رحلة إلى أرض بكر جديدة وخصبة، حيث الإغارات الذكية واللماحة على كواليس الأحداث من ضمنها فصلاً خاصاً عن فلذة كبده فراس الذي افتداه بأن تبرع له بجزء من جسده بعد أن شاءت الظروف أن تكون كلية ابنه الأصغر (أبو طلال) الأكثر تطابقاً من بين اخوته عندما قدمها عربون بنوة وبر بوالده واللحظات الصعبة التي ظللت هذا المشهد.
و سيطل في الكتاب ‘مروان المعشر وباسم عوض الله و فواز الزعبي وميشيل حمارنة ومعروف البخيت وسمير الرفاعي ونادر الذهبي وعبدالله النسور’، وطاهر المصري وعبدلكريم الدغمي وابراهيم شحدة وغيرهم وغيرهم سيقال عنهم وعن غيرهم قصصا ستدهش الأردنيين كيف كانت أحداث المرحلة تجري من تحتهم، أو من فوقهم (لا فرق ) كما يقول سلامة.

التجربة الثرية للكاتب سلامة لا تتوقف على السنوات الساخنة في تاريخ الأردن عندما التحق بالجامعة الأردنية عام72 وحسب، ولكنها تمتد في عالم الصحافة الأردنية منذ أن أطل عليها بقلمه و تتواصل على مقربة من ذروة الحراك السياسي الأردني في مرحلة التحولات الكبيرة المحلية والعالم.

لذلك يتوقع أن يثير الكتاب الجديد الذي يقدم فيه سلامة شهادته على عصر بأكمله ورصدا لتحولات المدينة ورجالاتها، الكثير من الجدل في الأوساط الصحفية والسياسية الأردنية في إضافة نوعية للمكتبة الأردنية والعربية لما يحفل به من طروحات جريئة وجديدة على الساحة الأردنية.

والمعروف أن سلامة هو الكاتب الوحيد الذي تشرف بأن وسمه الحسين بتبني مقال له قبل تركه بلاط صاحبة الجلالة و التحاقه ببلاط صاحب الجلالة وله عدة كتب من بينها “العولمة والعوربة” و”الهاشميون وفلسفة الحكم” و “أحسن القصص في حضرة الأمير”- و هو الكتاب الذي استخدمه سميح البطيخي كذريعة لاقصاء سلامة كمستشار اعلامي في الديوان الملكي الهاشمي مبكرا عام ,1997 عمل خلالها سلامة في أحلك ظروف و أصعب حالة و حمل ملف الانتقال بالاعلام الأردني مع مجموعة من قادة الاعلام في تلك المرحلة من اعلام “ضد عاصفة الصحراء” الى اعلام نشد للأردن البقاء متضمنا ظروف معاهدة السلام و أسرار كل تلك الحقبة.

ويسد الكتاب فراغا كبيرا في التاريخ الاجتماعي لمدينة عمان ، ذلك انها مدينة خجولة، ليست من المدن المتمرسة مثل القاهرة أو الدار البيضاء، أو هذه الصورة التي يفضل عشاقها الكبار أن يحاصروها فيها، بحديث علمي بعض الشيء، عمان مجتمع صغير بعض الشيء، الجيل السابق من أبنائها كان يتوزع بين خريجي الفرير والكلية العلمية الإسلامية، لم تكن أرضاً لمغامرات كبيرة، أو جرعات عالية من الجنون، وداخل سلطة مجتمع المدينة توجد سلطات كثيرة أخرى، القبيلة والعشيرة، الجهة، الشمالات والبلقاوية والمعانية والحجازية والشوام وأهل نابلس والخليل والقدس والشركس والشيشان والأرمن، الجميع لا يفضل أن تكون الزلة التي تتحول إلى حديث المدينة من طرفه، وثمة وصية غير معلنة بين الأبناء أن يتحاشوا البوح أو التباسط في الذكريات، عدا بالطبع عن الاعترافات، لذلك بقيت عمان دون ذاكرة يعول عليها، استثناءات محدودة سجلت هنا وهناك، عبد الرحمن منيف ومؤنس الرزاز، ثم بدأت بعض التداعيات للبحث في تاريخ المدينة الاجتماعي، أهل عمان وناسها.
إلى الآن لم يتحدد عنوان للكتاب، ولكن الشخصيات التي حضرت بين صفحاته وفصوله من شأنها أن تستدعي حالة من الطوارئ في صالونات عمان السياسية ودواوينها الاجتماعية، وبالطبع جلسات المزارع في مختلف روابي الأردن وسهوله، ويتوقع أن يكون الكتاب تحولاً في أدب السيرة الذي يكشف بعضاً من كواليس المكان وأشخاصه، ولا يقتصر الكتاب بالطبع على سياقه الأردني، وإنما يتمدد بالضرورة إلى أحداث وشخصيات عبرت بالأردن، أو كان للأردن عبور واضح ومؤثر فيها

@عمون نيوز