انشقاقات الاخوان .. مهلكة للاوطان

ليس عندي اي رغبة، ولا املك اي دافع للتدخل في قضية داخلية لحزب وطني اردني كريم، لنوازع التأجيج الذي يجري بين الشيخ المثابر زكي بن ارشيد، وقيادة الجماعة الفاضلة… وكل ما اسأل الله سبحانه، ان يرتق هذا الفتق الجديد لان ليس من مصلحة احد توالي الانشقاقات حتى لو كان ظاهرها قضية فقهية كالمطروح الان في امر الاختلاف حول دور وشخصية خليفة عربي مسلم رضي الله عنه وارضاه، ومن الجائز ان مسيرته قد احتوت بعض اخطاء اومظالم وهذا مرده الى خالقه العادل الرحيم الذي هو (الرحمن على العرش استوى)…

وفي ظل هذا التوتر الوطني الذي تشهده المنطقة عموما والاردن وخاصرتنا فلسطين.. فان الرجاء ان تهدأ النفوس وان يتم حل مشكلة كهذه اندلعت في محراب الفقه ومجاهداته داخل حركة الاخوان المسلمين. وان تبقى في اطارها الانساني والتنظيمي الدافئ ايضا.

ابدأ الاخذ بالاحوط، في هذه المسالة وان استل حكمة من سبقونا وتصدوا لمسائل الخلاف عبر ما وصم بانه الفتنة.

واحب ان اتوهم ان خلاف علي ومعاوية قد تم الحديث فيه بصخب جاء أحيانا وبحكمة رزينة أحيانا أخرى وظل مادة شهية للتناول من بعض علماء الامة وظني انا، ان احسن من تصدى في ابداء الراي في امر الفتنة وتوابعها ورجالاتها وآثامها، هو الامام الشافعي الذي اوصانا ان نتجنب الخوض فيها (طالما ان الله سبحانه قد كفانا سيوفهم فالأحرى بنا ان نكفيهم السنتنا) وما أورده المعتزلة في امر ( الفاسق ) بانه منزلة بين المنزلتين ورد امره الى الله أخير ( بتسكين الخاء وفتح الياء ) والفاسق هو مرتكب الكبيرة.

وان كان الشيخ زكي قد أراد فتح باب النقاش في امر شاءك كهذا والذي اتحف الامة به كبحث اكاديمي يخلو من اي عاطفة المرحوم (هشام جعيط) في مؤلفة (الفتنة الكبرى) فان النصيحة الا يكون ميدان ( وسائل الاتصال الموبوءة ) هي ساحة هذا الموضوع.

كذلك، فان التصعيد الذي بدا في قرار التجميد من محاكم الجماعة الداخلية ومن دون أي تدخل مني بشؤونها، لم يكون هو الوسيلة الوحيدة والمناسبة لضبط إيقاع صخب للشيخ زكي في امر احد امراء المؤمنين.

لكن وبصراحة بالغة الحساسية اشهر خشيتي من دوافع تكمن وراء هذا التصعيد الذي بدا لنا نحن المحبين للحركة الإسلامية (مفاجئا وله ما بعده).

هل يلوح ( كباقي الوشم في ظاهر يد الاخوان ) رائحة انشقاق جديد ؟.

انني من الداعين والسائلين للطرفين السعي الى عدم الانزلاق الى انشقاقات جديدة، لان ذلك في رايي خسارة للوطن وارهاق جديد للمؤسسة الأمنية التي هي مثقلة في قضايا اهم وابرز
وهي متعبة لنا كأبناء (الدولة الغميقة) ولا أقول العميقة كما هو سائر الاستعمال.

التمس من الشيخ زكي أولا التماس المحب لشخصه واسلامه ووطنيته، الا يذهب بعيدا في الخلاف واترجى قيادة الجماعة العمل على لملمة هذا الاختلاف الذي لا يليق ان تكون مالاته الى محاكم وتجميد والخ.

هذا موضوع تتداخل فيه السياسة مع الفقه وعلى رؤوس الأصابع أحاول فكفكة ابعاد هذا الشأن الوطني الملفت للنظر.

اولا:

ان قرأنا قصة النقد القاسي لشخص ودور الخليفة الاموي معاوية والصادرة عن احد مفكري الحركة الإسلامية البارزة والذي امتاز بانه الوحيد الذي سجن في تاريخ الحركة المعاصرة على ما أتذكر، من منظور تامري فان الاستنتاج يسهل في الربط بين موقف حركة حماس المتلاقية مع فقه الاثنا عشرية الشيعية التي لا تبقي ولا تذر لشخص معاوية فهل نحن بإزاء رسالة سياسية يرسلها الشيخ زكي بن ارشيد جديدة في رسم مقاربة سياسية مع ( فقه قم ومشهد ) باعتبارهما قد سلبا مرجعية النجف الاشرف في القيادة والتوجيه؟.

انا شخصيا لا اعتقد ان الشيخ زكي بوارد الانقضاض على تاريخه الفقهي المنتسب لفكر اهل الجماعة المعتدل لأنه ما فتئ دوما ينتقد التطرف للجهتين على ضفتي اهل الجماعة ( ومرجعية قم ) لذا اسقط هذا الاحتمال واستبعده بيقين معرفتي بالأخذ بالظاهر لوطنية وحنيفية ابن ارشيد.

ثانيا:

ان كانت روائح التمهيد لانشقاق جديد في قلب الاخوان المسلمين تحيط باندلاع جو معركة معاوية المفاجئ فإنني اسال الله ان يجنبنا إياها، اي ميلاد حزب إسلامي جديد على غرار زمزم والوسط الإسلامي وانشقاقات شخصيات أخرى وازنة دون احزاب ( الكساسبة ، العكور ، العموش ، الذنيبات ، الطراونة ).

وانني اذ ارجح هذا الاحتمال في محاولة العبور لهذه الازمة فإنني اود التعمق في جذورها.

كنت وعلى مدار الـ 33 عاما من عمر انغماسي في العمل السياسي عبر بوابتي الصحافة والمقر السامي، اشد الناس مناوئة ( فكرية ) فيما اكتب للإخوان المسلمين في نفس الوقت بقيت من العاملين ضمن مواقعي الحياتية المتواضعة احرص الناس.

على ان يبقى ملفهم في الدولة سياسي بحت والا يظل اسير التصور الأمني للدولة ولا اريد الاستعراض فادعي انني في احدى المفاصيل قد رضيت دفع ثمن موقفي من هذا الموضوع بإخراجي كليا من صحن الدولة وابعادي الى بعيد للبحرين، لأنني خالفت العمل على استمرار تشجيع انشقاقات الحركة.

وأقول لذلك ان موقفي ذاك وهو ذات الموقف الان ليس حبا في الحركة الإسلامية ولا غيرها ً فانا عربي مسلم مبايع ملك البلاد بيعة شرعية صحيحة ولا اؤمن الا بالدولة واطاراتها، لا اؤمن بنفوذ سفارة ولا بتمويل اجنبي ولا بحزب سياسي ولكني احترم كل ذلك طالما انه لا يشكل خطرا على كيان الدولة وجوهر الملكية الهاشمية.

وانني ازعم ان اقرب الناس الينا في الدولة هم حزب حركة الاخوان المسلمين وذلك لعدة أسباب اوجزها بما يلي:

جذر حزب الاخوان المسلمين ليس اردنيا ولا فلسطيني .

من أسس الاخوان هم شوام عمان والمرحوم عبداللطيف ابو قورة هو بوابة ذلك التاسيس ولأن اختلف وغادر واعتذر عن دوره داخل الجماعة الا انه ظل ايقونتهم (لقد جمع سعيد باشا خير ومحمد علي بدير وعبد اللطيف ابو قورة ، السطوة والنور والعلم) في عمان.

ولذا جاء تأسيس الاخوان ناعما حنونا يخلو من التطرف وما أحاط به جلالة المؤسس الخالد عبدالله الملك الفقيه الاخوان وسهل لهم سبل الجهاد في القدس جنبا الى جنب مع جند الله من الجيش العربي وابطال أبناء القدس هذا الثلاثي النبيل هو من حمى القدس وما نشاهده اليوم من بطولة واستبسال في الدفاع عنها ليس الا ثمرة ذلك الكفاح.

لقد ارتدى ممدوح الصرايرة فروته لتقيه من برد القدس وهو يدافع عنها وكذلك فعل الحاج فارس الصرايرة، وحسبن حياصات وتداخلت رصاصاتهم مع رصاصات زكي سعيد.

ولما انتقلت قيادة الاخوان الى المرحوم محمد عبد الرحمن خليفة، اثبتت الحركة على مدار المفاصل التاريخية والأزمات الكبرى انها حركة إسلامية اردنية حرة منتمية وصادقة الحب للأردن يقابل ذلك
ان كل الملوك الهاشميين قد منحوها رخصة العلنية والدعم والحماية في كله محنها الكبرى.

ولقد تخللت بعض أزمات بيننا وبين الحركة الإسلامية وأول هذي الاختلالات السعي لتحويل هذا التنظيم الإسلامي ذو المسحة الاردنية وذي الخصوصية الاردنية، الى فرع لتنظيم اخر يهيمن عليه بأفكاره المتطرفة واضحى التنظيم جامع تبرعات اكثر من تنظيم فكري يغذي الساحة الوطنية بالأفكار وبالوزراء والعقلاء والحكماء.

لكن في ظني ان لم يكن الرد او الحل بتشجيع انشقاقات من لون خاص ومن هوية خاصة ذلك ان تشجيع الانشقاقات داخل الاخوان والذي بوشر العمل به والتخطيط له منذ الرابع من شباط سنة 1996
لم يكن مجديا ولا هو بالمفيد واعتقد ان كل الانشقاقات لم تضعف الحركة الاسلامية في بلادنا بل اتاحت المجال لقادة متطرفين الهيمنة والاستيلاء على تنظيم الاخوان المسلمين ومع كام التقدير
والاحترام لتجربة الاخوان التي أوصلت الشيخ زكي بن ارشيد الى شد الرحال للمحاكم لو كان الشيخ عبد الرحيم العكور هو المراقب العام اليس كان حالنا افضل ولو كان عبدالمجيد ذنيبات مراقبا عاما
اوليس ذلك اكثر راحة للطرفين لنا كدولة وللإخوان المسلمين كجماعة.

ان من يظن ان الاخوان المسلمين بتشققهم وانقسامات متلاحقة تصيبهم تفيدنا وتضرهم اعتقد انه واهم ومخطئ فالإخوان جزء اصيل وضروري وحيوي لبلادنا فإخواننا ليسوا دمويين ولا إرهابيين ويلبون حين يطلب منهم المشاركة واخر مشاركة ادوها برحابة صبر.

كانت اللجنة الملكية للتحديث لذا فإنني التمس أن كان لصوت مثل صوتي محايدا وموضوعيا وصادقا في النصح ان يمسك كل الأطراف المعنية ما ظهر منها وما بطن على ان يبقى الشيخ زكي داخل الحركة وان يناضل من داخلها وان يتلاقى الجمع على كلمة سواء.

ان كل الأحزاب الوسطية والتي أخرجت من اطار الحركة الإسلامية لا وزن لها في الشارع يضاهي الجماعة مهما نفخنا فيها باحتفالات الفنادق ومباركة رؤساء سابقين ثمة عناصر موحدة هي منصات الثبات في الدولة والمجتمع الأردني العرش والملك الهاشمي اول مصدر الهام للأردنيين والجيش العربي الذي في الازمات الكبرى حين ينزل للشارع توقد النار لأفراده من اهله في الشوارع كي لا يمس افراده البرد والمسيحية الاردنية ( تتبيلة الروح الاردنية ) والاخوان المسلمون العقلاء الطيبون وما دون ذلك يأتي ويذهب كموضات مرة موضة المجتمع المدني وثانية التمويل الاجنبي
وثالثة الاحزاب المدنية واخرى سيداو وغيرها رطانة التبعية للسفارات كل ذلك بلا قيمة طالما ان الاركان الاساسية ثابتة فالوطن براحة وكما خاطب احد رؤساء الوزارات مواطنا بنصحه لا تهاجر يا قتيبة
فإنني التمس من الشيخ زكي تلبية نداءي ( لا تغادر يا شيخ الجماعة ) وكفى بالله شهيدا.


 

نشرت في : @عمون