خاص – كتب سليم النجار – صورة فكرنا العربي يعيش المحنة ولا يجتازها، ولا هو ممتلك فيما يبدو لممكنات تجاوزها، ومن ثم فهو يراوح مكانه منذ أمد، يحاول ويفشل ولا يتعلم ومن ثم فهو يراوح مكانه منذ أمد، يحاول ويفشل ولا يتعلم من الخطأ، وتصل الأخطاء إلى مهاوى الخطيئة فلا يستشعر أحد أي إحساس بالإثم .. تبلد الفكر وتحول بنا وتحولنا به إلى أصنام أو أقل .. تدهور بنا وتدهورنا به .. إلى المنحدر.
لعل هذا الانطباع الذي يخرج به من تابع ندوة الكاتب المبتكر دائماً للمصطلح السياسي ومستشار ولي عهد مملكة البحرين أحمد سلامة في المحاضرة التي ألقاها الأربعاء في جامعة الشرق الأوسط و حملت عنوان «صورة الشرق الأوسط والأعلام الجديد».
سلامة لم يقدم وصفاً منفصلاً ولا مفتعلاً – فالأمر فعلاً جد خطير ويحتاج منا إلى وقفة تأمل لا للإستمتاع بنقد الذات وإنما أملاً في البحث عن مخرج.
الرجل أوضح في محاضرته، أن الأزمة التي يعيشها فكرنا العربي ليست بسهلة، ولا هي بالأزمة المبسطة أي غير المعقدة لكنها من ذلك النوع المتعدد الجوانب المتعدد التعقيدات… وهي ليست بالأزمة العارضة، فلقد امتد بها الزمن وتجاوزت حدود أي انتظار… وأصبحنا كمن فاته القطار الوحيد ومع ذلك يجلس منتظراً بلا أمل… وأيضاً – وبالغرابة- بلا ملل.
ليس غريباً على الكاتب أحمد سلامة إجتراح الصور من هذه الأزمة ليقدم رؤيته، وإن فضل أن يفتتح محاضرته بالحديث عن مكر التاريخ، وليس عن تكراره، وابتدأ قوله مخاطباً الحضور: ” أن «الميت» الحي، الذي فقد في تونس «البوعزيزي»، صورته حركت شعب وأسقطت نظام. الميت الذي انتحر بعد أن فقد معنى الحياة، جرّاء عذاباته وفقره، بهذا المعنى”.
يؤشر سلامة على أن الإنسان العربي في كل الأنظمة يعاني من مكواة النظام الشرسة تدوس فوق عنقه، أما أن يستقيم (بمفهوم أصحاب المكواة) وأما أن يحترق. والمكواة ليست إرهاباً ولا قانوناً ولا قهراً.. ولا حتى مشنقة فحسب، لكنها أيضاً القدرة على الحصار والمحاصرة بحيث لا يمتلك الإنسان أية ممكنات للتعبير أو التنفس إلا عبر الصور التي أفضت إلى انتفاضات شعبية في وطننا العربي.
أما الصورة الثانية التي قدمها المحاضر، تناولت مصر، وإن حاول الربط بين الهوى المصري الفاطمي، والهوى الحاضر في ميدان التحرير، الذي استنبطه من ضجيج الإسلاميين، على اختلاف مشاربهم السياسية، والذين احتلوا واجهة الثورة بشكل تعسفي.
هذه الإشارة التي أضاء أحمد سلامة، يعيدنا للقول أن شبكة التراث المتخلف المعقدة المستمدة عبر الميتافيزيقيا والتقاليد، والاطر الحاكمة، تبدو وكأنها محصنة ضد التعلم.
وكم من أساتذة كبار في مجالات المعرفة المختلفة (طب وفيزياء.. وإلخ) تجلس إليهم فتجد معرفتهم منحصرة في مجال تخصصهم وفيما عدا ذلك هم يفكرون ويا للهول كجدتي وربما بشكل أكثر تخلفاً.
وهكذا انسكبت أدوات المعرفة والتعليم لتصبح بغير أثر حقيقي في وجدات المتعلمين.
وليصبح التعلم حرفة وليس أداة استنارة.ولعل (سلامة) قد لمس الجرح يوماً عندما كتب في مقال شجاع كل كلمة فيه مغموسة بمرارة أليمة.عندما رد على هيكل الذي وصفه بالكذّاب، وبمناسبة الكذب، أعاد مرة ثانية حديثه عن حرقة الكذب عند هيكل، عندما قال سلامة منتقداً وكاشفاً جهل هيكل، الذي تندر على جنازة الملك الراحل الحسين بن طلال، عندما وصفها، بأنها من التقاليد الإنجليزية، لا لشيء، إلا لأنها تجر أمام الجنازة حصان!
المحاضر بدوره وكعادته، فند هيكل بالمعلومة، عندما قال حرفياً عنه إنه «حمار» لأنه لا يعرف التاريخ، وإن عَرفه لا بفهمه، عندما استشهد سلامة، بالفارس الهاشمي قتادة الذي عشق فرسه دنانير، وعندما مات جرت جنازته على حصانه دنانير، وبقيت جالسة على قبره، حتى توفت حزناً على فارسها، وهذا قبل 1600 عام وليس غريباً على أحمد سلامة، أن يكون التاريخ صديقه الوفي لأفكاره وقناعاته.
والشيء اللافت، أن الصورة الثالثة التي طرحها الرجل عن الأردن، فكان كعادته يتحدث بما هو مقتنع به ولا يجامل أحد. فقد أوضح أن هناك تجنى واضح على الأردن شعباً وقيادة، وهذا التجني له بعده التاريخي، لكن أخطر ما فيه الآن، امتداده المحلي، الذي يحاول. تصور نفسه، على إنه صورة إصلاح، وأن الأردن غابة من الفساد.
هذه الصورة أخافت أحمد سلامة، بثلاثة قضايا طرحها، القضية الأولى، محاولة إشعال حرب أهلية مفتعلة ومنفلته من عقالها، الصورة الثانية خطر الجغرافيا، أي أن تتحول الأردن إلى ساحة خلافات وتصفيات عربية عربية، عبر استهداف الأسرة الهاشمية، وعبر إدّعاءات، حتى الآن لم يعرف أحد مصدر مروجها ومنتجها، وإن ألمح سلامة لـ (المستفيد) من هذا الترويج، والشيء اليقيني، ليس الإنسان الأردني المستفيد، وهو الخاسر الوحيد. أما الصورة الثالثة، هو استهداف المؤسسة العسكرية، ومن لا يعرف الأردن، لا يعرف أهمية الجيش في تكوين الأردن الحديثة.
الكاتب في محاضرته القيمة، حلل كماركسي، محترف، وقارىء للتاريخ كتنويري عروبي، يعرف من أين يبدأ وأين ينتهي، وعندما تحدث عن الهاشميين، تحدث وكعادته كصوفي، يعرف أن جوهر الحياة معرفة الحقيقة، لا تزويقها أو الإغفال عنها.
فتقليص صلاحيات الملك لصالح قوى غير واضحة وغير معروفة بحسبه من شأنه الذهاب بالنظام السياسي الأردني إلى مصير مجهول.
مؤكداً أن الإلحاح على الدولة وتكبير المعاني السلبية كالفساد وتصوير الأردن على أنه غابة مستباحة من السرقات تسعى إلى تكريس قناعة بأن الأردن كيان فاسد تنفيذا لمؤامرة كبيرة ضده .
وقال أن الإعلام الأردني بحاجة إلى مراجعة تضع الخطوط لسياسة إعلامية تحدد أهداف الدولة من الإعلام وتصون مصالح الأردن بعيدا عن أسلوب «ويكليكس» الساعي إلى التشكيك في كل شيء.
أحمد في صوره التي تحدث عنها، أكد أن دور المفكر ليس التأمل والإبداع فحسب….
لا أمل بلا تغيير حقيقي من طبيعة فهمنا لدور الفكر والمفكر.
ولعل العودة للمثل السوداني الشهير «لا ترى الفيل وتضرب في ظله». اضربوا الفيل نفسه أو إصمتوا، فهذا أكثر شرفاً من الثرثرة وإدعاء المعرفة.
وهكذا فعل أحمد سلامة في محاضرته ضرب الفيل.
@المملكة اليوم