يا لـ معاني استَحيتُ منكْ أبو الشهامة

في إحدى جلسات البوح المجللة بكرامات الشهر ، الذي أنزل في احدى لياليه ( مُقدسنا )، ( وحبنا ) ، القرآن الكريم الذي لا يجارى . جمعتني جلسة وجد اخوية . مع صديق ، عنوان علاقتنا أخوة قديمة طاعنة في الزمالة والصدق منذ صفوف الجامعة الاولى ، في الجامعة الاولى . حفظنا الشعر معاً منذ المتنبي الى عمر بن الفارض ، وتداولنا طويلا في محنة البرامكة واختلفنا في الاسباب المريبة لاغتيال الشاعر ابن هانئ الاندلسي . كان فيصل الشوبكي ، (ابو الفادي) دوما صديق أعذب الجلسات وفي أحلك الساعات فيما مضى كنا أبداً نجد متسعا من وقتٍ نحكي فيه معاً، عن الحب الاردني ، والتمتع في استذكار ملاعب صبا فيصل الطفل الشوبكي في باحات المسجد الاقصى حين يندفع ابو فادي ليرسم لوحة طفولته ويفكفكها ويعيد ترتيبها بتنغيم متوهج وكأنه للتو قد ظفر بكرة القدم التي لم يسمح لها بأن تقتحم مرماه قد تدرب وأتقن منذ طفولته كيف يصد كرات العدا عن مرمى الوطن. كان ذاك الطفل ، لذاك العسكري يرحمه الله من وحم الجنوب الذي يترك شامة على صفحة قلوب أبنائه تشبه (القبة والكنيسة) معاً. رُحت له صديقا في اخر زيارة لعمان ، أُقدم حبي ودعائي بوفاة المرحوم والده . قبل أن يرحل النايف (المعاني ) بأسابيع قليلة كنت أُجالس ذلك الشوبكي النبيل والأصيل، الذي ما غير الزمنُ والمظالم والمحن التي عبرته وعبرها ، من طريقة ابتسامته العذبة حين يصفو ، ومن قدرته على كظم حبه مهما كان ولهاناً . كم أنا بحاجة الى ان اضفي على النص توسلاً للقارئ ان يدخل على ما اكتبه اليوم على أنه حبُ انساني ٌ يخلو من أي غرض. فلقد أدخلنا العُمر وبوابات الحياة المتلاحقة الى مرحلةٍ أُحب أن أسميها دوما بحالة( مُتعة الرضا )، وهي متعةٌ تتفوق على ما دونها من سعادة ، فيما نحن فيه . ساعات، أسعدني ذلك اللقاء الأخوي كما جرت العادة لسنين في رحلة العمر مع الصديق الوفي أبو فادي وهو الاردنيُ الذي سيذكر له الاردنيون كُلهم ليس الأن وليس غداً وإنما التاريخ سيتحقق من ذلك ويخلده ، أعني دوره الوطني من خلف مليكه المُقتدر كانَ دوراً وضاءاً ، في زمنٍ أردنيٍ صعب ظللته غيومٌ داكنة عابرة للحدود من الأشقاء . كان الحديثُ كله، قد إاستهل في مطالعه وراح صوب فكرة فقدان الأحبة ، والموت والحياة ، فاجئني أخي فيصل بمفهومٍ كم كان حميماً وجديداً وحملَ معه وميض فكرة أخلصت في تدبر مراميها وتقليبها عدة أيامٍ حين رجعتُ الى مكان سكنتي في البحرين . كان أبو فادي يحكي بمودةٍ للفكرة ، فكرة ِ افتقاد الأب ، أنّى كانَ الابن قد بلغ من قدرٍ وقوة وعددٍ في السنين كثير . بحسرةٍ صادقة رتل عليّ الصديق الأبي فيصل صورةً لحزنه ( فَقدُ الأب مهما كان المرء حكيما وكهلاً وقادرا على استيعاب فكرة ِ الموت ْ وضبط معانيه فأنه يَهزك بإحساس غريبْ وان ظهركَ قد كُسر ) وأضاف ( ثمة شيٌء ما يدفعك لتتأوه وحدك وتختم قهرك بإطلاقة أخ خ طويلة ) في تلك الجلسة الودودة الأخوية أدخل أبو فادي في روعي حفريةٍ للتوجع بالافتقاد . أمس .. وعيت وعشت قولة الأخ فيصل لي ( في الموت ثمة حدثٌ يكسر الظهر) أخ خ على فقدك يا نايف .. في تلك الجلسة من شهوات الود في رمضان مررنا على كل شيء ، الباشا العذبةَ أخوته حتى النبل والطيب ، وأنا . ومن ضمن ما حكيناه …. ( معان) معان ، وليس ابنها نايف الذي تشرف بحمل اسماً ، ووسماً ، كل روحها حباً وشهامة . ولم أكن أعرف يومها . أنني أحكي عن معان وفاءً أو رثاءً لأعز صاحب وأعز مواقف الناس الشرفاء عندي وأنه سيموت بعد أسابيع فقط . أكتب اليوم عن نايف ، لأن قلبي قد انكسر فلم أره في اخر زيارة لي لعمان ، بحكم فوضى الالتزامات. وكنت أحكي عن معان بشغف . ولم أكن أدري انني سأكتب عنها بشغف أيضا لأمر لا أستطيع رده عن صاحبه هو الأخ الوفي نايف المعاني . والحقُ عندي ان الكتابة عن أبو شهم النايف لا تستقيم ولا تؤدي الغرض ان لم تكن عن معان أم نايف ، حيث نهض الشرف والطيب والوفاء والزهد ، في شخص نايف من تربة معان وعلى رافعتين ، رافعة شخصه وكان ذلك نسبه ، ورافعة نسبه المعاني وكان ذلك شرفه . أبدأ عن حكايتي مع معان ، حتى أصل الى وفاء ابن معان . ذلك الذي علمني إياه نايف أبلغ حكمة في الحياة …. ان الوعي الزائف وكل جامعات الغرب إن لم يكن الخريج مستفيدا من علمها ومخلصاً لوطنه ، وادعاءات الشرق وأدعياء الخصخصة ، وحماة البرللة ومن يكتبون حروفهم من وحي لهيب مصالحهم لتنضج محققة لمصالحهم في أفران غيرهم كل ذلك لا يعني شيئا قط أمام عذوبة بسمة لطفل معاني لم يولد بعد ورث الحبَ ووصله من قلب مكةَ حتى بوابة توما في دمشق ويتـأمل ذلك كمن يتأمل صهوة البراق الصاعد للسماء بخشوع دائم . معان علمتني أنها الجود والكرم حين واكبت في شبابي طلة ذلك البهي سليمان عرار ومعان وجهتني وفصحتني ، ان الجنوب هو وحيُ النبوة لكن معان هي المعمعان . ومعان أمدتني بأحب سلاح في الحياة ألا أقنط من الوفاء الاردني طالما أن معان فينا أبدأ قصتي مع نايف المعاني …. وأنا اكتب أحاول ان أراجع كل حرف أقوله امتثالا لحكمةٍ أوردها كاتبنا الذكي الكبير فهد الفانك متعه الله بكل عافية حين كتب ذات مرة منبها لكل الكتاب حين يكتبون المراثي الالتزام بذكر مناقب الفقيد وليس استعمال المناسبة لامتداح أنفسهم أو انهم يكتبون عن انفسهم حين يرثون أصدقاءهم . كانت حكمة من كاتب رزين لكني أعتقد ان سببا لتلك التهمة محض انساني وذلك اننا نرثي أنفسنا حين نقترب من رثاء أحبتنا ، لأن اللاشعور الانساني يقلقه دنو الاجل حين يخطف الأجل الأقربين! أبو شهم نايف كان لي شرف معرفته القريبة ، اوائل الثمانينيات وبرغم ان (ابو النوف) هكذا كنا نلاعب حروف اسمه أبان الشباب بالرغم من اننا متلازمان في المهنة كُنا الا انه لم يتسن لي شرف التزامل المستمر والاقتراب من مروءاته في الوطن وجرى ذلك في بغداد تحت سمع وبصر الحرب العراقية الايرانية . ربما اننا كنا دوما مع بعض كما كنا دوما عبد الله العتوم، باسم سكجها ، ويوسف العلان ، وجمال العلوي ، وآخرون كُثر. ونايف كان على صلة بالعراق أعمق منا كلنا ، ألِ مُصاهرة حدثت له ؟ ام لدراسةٍ حظي بها هناك ؟ ام ان له هوىً ميز صلة معان ببغداد منذ عصر هارون الرشيد ، فورثها نايف عن طيبٍ ورغبة . لقد تحول أبو النوف من دون اي مقدمات الى معزب شهم لمجموعتنا يدلنا على كل شيء طيب من المن والسلوى حتى مطاعم المسقوف على النهر . كان كله شهامة ، ومضت بنا الحياة تطوينا ونطويها ، كنت بكل ما يستطيع الشاب من فورة قد انغمست في الثمانينات بتجربتين ، تجربة الصحافة عبر الرأي وتعلقت على مدار كل تلك الحقبة بجنس واحد في المهنة هو جنس التحقيق الصحفي وفاتتني رغبة ملاحقة الخبر ومتابعته ، وتجربة المنتدى الانساني الاردني وهو فكرة نبيلة كان ملهمها ورئيسها الفخري سمو الأمير الحسن ويحلو لي دوما ان أسبق اسمه دوماً وأبداً بـ ( سيدي) . وباركها سيدنا الحسين بجلاله وكبرته وهو تنظيم شبابي أردني يسعى لفتح بوابات في الجامعات الاردنية للتعبير عن الذات وتحصين الشباب من ان تلفح عقولهم بوهج التدين المريب ، وكنت على اوسع مساحة فيها ( لتلك التجربة ) نائبا للرئيس ، واتخذت التجربة الشبابية تلك من المدن البعيدة والأقاليم النائية قاعدتها الاولى والصلبة وراحت تبحث في البوادي والقفار عما يلهم الشباب بروح ٍ اردنيةٍ صاعدة نحو العروبة بروايتها الهاشمية والحث على الانتاج المجدي وتدريب النفس على الالتحاق بركب المواطنة العادلة وهجر ما دون سواها . وسواءً التحقيق الصحفي او المنتدى الانساني ومعسكرات شبابه فأنهما كانا فيما يبدو الطريق التي باعدتني عن الحبيب نايف وقربتني من معان أكثر . ذلك ان نايف الصحفي قد جذبه الخبر وتقانة المندوب والمحرر وحقق في ذلك مجداً ونجاحا ، ثم راح اكثر في التخصص ليحترف الخبر الرياضي ويصبح من أساتذته يرحمه الله . وامتاز ( نايف) من دون كل أقرانه عبر كل سيرته المضمخة بالعطر والطيب بأنه لم يقترف الحرام الوطني في الغمز او مجاراة الغرائز في كل ما فعله وما كتبه رغم ان مواجهات الرياضة واخبارها قد بدت وكأنها مرتعاً خصباً للتصيد والتكسب والانتفاع والتربح . لكن ( نايف) ابداً ظل في مسراه ومشواره معانياً، أردنياً، يعربياً ، متدينا تديناً حنوناً ، طيباً وبسيطا كعشاء الفقراء . وأحسب لأنه معاني ولأنه نايف ولأنه ابن صحيفة كابدت لتستمر صامدةً ممسكة بعناد وبصبر لتظل بوصلتها مؤشرة على نبض الوطن . الحياة تمضي مجنونة ، في عذاباتها وأحزانها وسرعة فرضها لقوانينها لذلك لم نكن نلتقي الا قليلا برغم ان كل مرة ظفرت بشرف لقياه رحمه الله كان يملي علي درسه وحكمته في الطيب والايثار . فاجأني نايف ذاك النهر والبحر والحب والاحسان ذات ضحى معانيٍ نبيل نايف المعاني أبو شهم لم يكن بحاجة الى الخروج عن إيقاع المرحلة المجنونة عامي 2007 /2008 حيث استتبت لغةٌ مجنونة لم يألفها الاردن من قبل في الصحافة والسياسة معا واغرى ذلك الجو المشحون (بعض مسؤولين) بجنون العظمة خدرتهم سطوتهم وسلطتهم فنسوا ان يد الله فوق أيديهم وانهم مجرد موظفي دولة وليسوا هم الدولة ، لكنه فعل يرحمه الله نايف المعاني فعلاً لي ما لم يفعله لي أحد من قبل ومن بعد ، تحمل عبئا ووزرا لم يكن بحاجة اليه بمناصرتي والدفاع عني حين كانت عجلات المرحلة قد استتبت فوق روحي . تلك المرحلة وقد كان نايف ابو الشهامة كلها وصهيل معان كله قد ألزم نفسه بموقفه لي اتخذه دفاعا عني ، أدخل نفسه في مواجهةٍ ضارية ٍ مع مؤسسته التي كان يرأسها زميلٌ ونقيبٌ للمهنة واستتبت رؤية ذلك الزميل الرئيس على تجاهل كل شيء واستعداده لفعل كل شيء لتلبية متطلبات تلك المرحلة ، ولشدة وفاء وعظيم نُبل نايف فأنه ادرك حجم ما سيقع عليه جراء اتخاذه لموقف دفاعي عني لأن رئيس مؤسسته في ذلك الوقت كان في مواقفه ( هو السيف) يدحش أصابعه في جيوب زملائه ويتفنن في ملاحقتهم ، ولشدة وفاء ذلك الزميل وانسجاما منه مع متطلبات المرحلة فأنه كان قد أرسل لي تكريما ووفاءً منه رسالة قراره بفصلي من نقابة الصحفيين الاردنيين معللا قراره ( عدم تفرغي للمهنة ) حينها كانت مهنتي أنني أعمل موظفا في الديوان الملكي الهاشمي في صميم العملية الاعلامية . ورغم ان الفرصة واتتني مهنيا أن أعود لعضوية النقابة فيما بعد إلا أنني قطعت عهداً على نفسي أن أظل خارجها حتى الممات مذكراً بلا إنسانية البعض . كان نايف الحبيب تحت تلك الوطأة من القسوة في (الدستور) وفوقها الوطأة الأخطر رقم الموبايل الذي يجيء بالويل والثبور يرن مُنبهاً وشاشته تخلو من الأرقام . في إحدى المواقع الالكترونية أو عددٍ منها أخذ صورة الائتلاف قد اتخذوا مني لعنة يومية ، والسبب في ذلك أنني انتحيت لنفسي جانباً وعزفت حين طُلب مني ان أكون (الفرن) الأول في محرقة مشروع الدولة فيما اصطلح عليه لاحقا تجاذب (الديوان والدائرة ) في فترة التيه تلك . تلك قصة أورد بعض بلل من طرفها اذرفها من بعيد اليوم إحياءً وإكراما لروح نايف وليس احتراما لمن اقترفوا فعل القبح ذاك . فجأة خرج من تحت ركام حريق قدمي وبعض جسدي الذي صار شواءً يغري في شدة احتراقه أكثر ، خرجت حشرجة وشهقة أخوة وألف علامة تعجب رُسمت احتجاجا على الفتك بي ، ومغامرة كانت تلك لم يرتكبها الا ذوي (القلوب المعانية ). نايف المعاني … من دون حساب لمبدأ الخسارة او الدمار الذي سيحل عليه يرسل لذات الموقع الالكتروني نصاً ، يذكر لي فيه كمواطن ، انسانٍ بعض مزايا وخصال ودفاعا لا أستحقه ووضع اسمه صراحا واضحا وثبت رقم هاتفه المحمول كي لا يزعج من يريد ان يهاتفه تضييع شتيمة او مسبة او تهديد . لا تسألوني ما الذي جرى لنايف المعاني جراء ذلك السلوك الخارج عن النص ومن دون سبب سوى خُلق صاحبه اسألوا أهل الكهف ان صحت ضمائرهم …. لقد مر عليّ في هذي الحياة أشباه رجال ووهم مواقف وفي ذات الوقت الكثير من المديح والكثير من الأصيل وما تيسر من الجحود والنكران والحياة في النهاية مدرسة وعلم ٌ ما يستخلص منه المرء ما يسعفه لتدبر أمره ولقد احتفظ العرب كأمة بمعانٍ وسمات ثبت بعضها عبر كل المراحل على انها صفات خالدة كالوفاء والشهامة والرجولة لكن أقول لأوفّي لهذا الذي لن يموت قط بعض حق فييّ ، ليس بالمصادفة انه أبو لشهم بل يجدر به ان يكون ابو الشهامات والمروءات كلها. و منذ أن صعقتني لحظة الاحتلال اليهودي في نابلس عام 1967 حتى تجنبي لرؤية صدام حسين يدلى في قلوبنا كمشنقة ذات العيد الذي كان اول مقبرة للغزاة ، أعني العيد والشهيد . ومنذ ان منحتني الحياة بعض أفراحها ولله الحمد ، فأن موقف نايف المعاني في عطفه عليّ واحتجاجه بخروجه عن مألوف المرحلة تلك وقبوله شتائم ومسبات صاحب ذاك الرقم الذي كان رقمه المخفي سلطة ، والذي استلمه نايف عقب نشره الموقع لدفاعه عني. من دون سبب سوى انه نايف المعاني نايف كله معان ، ومعان كلها نايف تشرفت باستقبال نايف بعد سنوات من هذا الموقف ، كان في زيارة رياضية للشقيقة البحرين وأبى إلا ان يفاجئني بزيارته لي في مكتبي أتدرون ماذا كانت هديته ؟! كانت هديته عسلاً ، كان نايف عسلاً ، وهديته عسلاً ، وحلاوة لسانه عسلاً وقلبه كله عسلاً أيضا كل المواقف التي مررت بها أفرحتني مثل طفل وأبكتني مثل طفل . كل الرجال الذين اقترفت معهم العداوة او الصداقة ، التمست لهم ما يبرر ذلك . لكن نايف علمني دوماً ان الاردن في تكوينه الطبيعي هو مثل نايف يؤازر ويجبر الخاطر من دون حساب للربح والخسائر . وعلمني نايف أيضاً ان أظل على موقفي الدهري ، ان الجنوب حبٌ مهما عتب وان الجنوب خِصب مهما اتهمناه بأنه الجدب والجنوب كان دوماً أوله معان كم رُحتُ من عمان وأنا لم أزل بعد قادرا على الرواح حيثما أريد الى معان برفقة أجمل الصبايا واعذب الرجال لأهييء لهم على قضبان سكة الحديد في معان متكئاً طوال الليل ، واهامسهم بأن أصيخوا سمعكم . ثمة من يحكي داخل هذه الارض هنا في معان ومن تحت هذه القضبان قصة الوطن الاردني على حقيقته . هنا بدأ الحقُ يعلو علينا جميعاً ونميل عند الصبح نرنو الى روحه من تحت الشرفة ، شرفة إشهار الوطن من المؤسس راعي الهذلة الذي قال ( هاهنا يبدأ الوطن ومن هنا نبني للعرب أجمل الاوطان ) . معان كانت قلبي على مدى كل الحياة وأهلها الطيبُ والنحو والحبُ ونايف تجار السوقِ، وحواة البازار، لا يريدون فهم ما تبتغيه معان لأن ما تبتغيه معان منا (جلّ أن يُسمى ).. معان تريدنا كلنا أن نكون مثل ابنها البار نايف يرحمه الله عابرين للجغرافيات من دون عقد او من دون حسابات وضيعة ان ننتصر للضعيف حين يضعف وأن نذكر له مناقبه وهو حي لأن في ذلك نصراً للوطن كله . أن نحاسب الناس على سياق ، وفي سياق ، لا أن نكون تجار مال قبان او باعةَ اقمشة نبيع بالقطعة ونشتري بالذراع … نحاسب الرجال بمعيار الوطن لا بمعايير الجيوب وما تحويه من ِشبهات . معان تريدنا مثل نايف ، ألا نثقب الذاكرة وننسى من قدم ونهلل لمن تقدمَ في ليلٍ أو بدون سبب . معان تريد أن تلقننا درسها الازلي ، علينا أن نتقن فن الوداع لا أن نخلط بين إكرام الميت بدفنه وبين دفن كل مآثره . معان تلح علينا ان نكون مثل نايف بسيطاً مثل أول شروق للشمس . ومثل منصور شهيداً كان برقته في دفاعه عن الوطن سيفاً من حرير وخنجرا في ذكراه ظل يلمع في وجه الغزاة . ومثل سليمان كريما مثل بحر يرحمهم الله ومثل توفيق صامدا رغم الصعاب مثل غرناطة ومثل خالد المطيري الذي يهب المقابر فرح الزنبق ولون التوت البري. وحمزة الذي حفظ الولاء للوطن من أبيه تاجاً وخطبة جمعة . وسلام على أحمد الذي امتثل لأمر الحبيب محمد ( صلى الله عليه وسلم) الذي (صنع لآل نايف وأحبته طعاماً) … معان من حقها أن تسأل أو ليس غريبا ان أخر رئيس وزراء لنا منها كان هو المرحوم ابو عدنان ؟! يا أيها النايف … سيدي الحبيب ابو شهم … يا كُل معان رمزاً وحباً سامحني لأني ما حضرت جنازتك ، ولا حبحبت مثواك ببعض من تربة معاننا ، فلقد انتبذت مكاناً عن الوطن قصيا ظناً مني أنني لا أريد أن أزعج أحداً . لكن موتك النبيل والمفاجىء قد حرك عندي بعض حبٌ ظننته قد راح ، حبٍ لخوض مواقف ، فقد اندفع موتك فييّ طاقة حبِ ورغبة في الاياب ، فأنت ومثلك وهم كثيرٌ في بلادنا يستحقون أن لا نصمت كي ترتاح أرواحكم في قبورها . سلام على روحك الطاهرة سلام عليك يا نايف وانت تُعلمنا كيف نلغي المسافة بين معان وبين المروءة فيصيران واحداً سلامٌ على موقفك الشهم الذي دفئني كل هذي السنين رغم وعورتها وبرودة أيامها على المدى وإني أواعدك وأعدك ايها الأستاذ في الخلق انْ أردَ بعض جميلكِ جميلا. ابو الشهم … سلام على الضرع الذي رشفت منه او سنبلة من حليب . سلامٌ على دربك الذي مشيته حافيا صوب الله وصوب الحق وصوب الرجولة واللهم اشهد بأن معان التي أنجبتك وأوتك حيا وميتاً ، انها تستحق بك ان تظلّ أُمّنا كلنا . أُسلم على روحك وقبرك ومقامك وأعدك ان امشي على ما أحببت أن أفعله إن شاء الله وان أتشبث بحبِ ما أحببت وما تحب يرحمك الله .


نشرت في: @عمون