لو انني كويتي، يزور الاردن، وسمعت هتافات الرمثاويين، او المنسوبة اليهم، لا فرق.. لسألت نفسي ما الذي فعلناه للأردنيين حتى اضحى دوام الانحياز منهم عراقيا. مسألة مثيرة للعجب!!؟؟
ولغايات النزاهة في الحديث، فانني لا بد ان انسب هذا القول لصاحبه، وهو صديق مهنة، حثني صبح هذا اليوم، ان اقلب المسألة العراقية الكويتية، من وجهة نظر اردنية!!
والحق اقول.. أنني احوم حول هذا الموضوع منذ سنين وكنت دوما اتمنى، ان يعطيني الله الوقت، والمكنة لكي الج الى صلب هذا الموضوع ولوجا تاريخيا، وليس معالجة صحفية عابرة…
ولقد الزمتني مراجعة الاخ الممتهن للصحافة حد المطلق فيما ابداه من ملاحظة (تحوطي) لهتافات الرمثا للشهيد صدام وانها قد تكون، مدبلجة، او قديمة…! ذلك رأي كتبته حين مررت على محنة الاخلاق المتداخلة في مجتمعنا هذا الاسبوع..
وفجأة، وجدت نفسي متحمسا ان اقول كلمتي في هذا الامر الشائك (مشاعر الاردنيين في محنة الثاني من آب ١٩٩٠…. ثمة جملة من مبادئ عامة لا بد من زجها في مقدمة الحديث (حول موضوع العراق الكويت والاردن) وهي ضرورية قبل البدء في تناول الموضوع….
اولا :
اول مرة كتبت في هذا الموضوع كان بعد شهر او اقل من دخول العراق للكويت… كنت حينها كاتبا ربما من الاساسيين في صحيفة الراي الاردنية، وكان كل المزاج العام، وتبعاته تنزلق نحو (عسكرة المشاعر) عندنا… واتصل بي على نحو اخوي، احد المسؤولين في الديوان الملكي الهاشمي العامر… (ونقل لي رغبة المغفور له جلالة سيدنا الحسين بن طلال)، ان تكون مقالتي غدا (كنت اكتب يوم السبت) الترحيب بوفد الكويت الذي جاء يعرض وجهة النظر الكويتية من الازمة وكان يضم خيرة ابناء الكويت في حينه استعين باسم واحد فقط للاختصار (الدكتور حسن الابراهيم، وزير التربية والتعليم في الكويت، وزميل استاذي الدكتور امين محمود في جامعة جورج تاون) كانت الراي صحيفة الدولة، وصحيفة الجماهير في ان واحد!!! ومحمود الكايد يرسم سياستها في تلك المحنة بماء من ذهب… ولقد جلست اكتب مقالتي تلك وكانت من اصعب المقالات التي كتبت تضغط على حروفها (اشواك الالم من غزو واجتياح بلد نبيل) !!! (واشواق عارمة لكي تدك صواريخ العراق مهددا لاستيطان الظالم على ارض فلسطين) وبين الشوك والشوق ….
كتبت مقالة يومذاك (مرحبا باهل الكويت) وبعد مرور كل تلك السنين اقول ان اسوأ قرار في التاريخ العربي كان قرار الاجتياح العراقي للكويت لكن اظلم والاكثر سوءا كان …. الاستعانة بالامريكي الذي لم يسجل في حياته (نافلة لمصلحة العرب).. وبصراحة انا كنت مؤمنا حد التقديس لمشروع الحسين تجنيب الامة كارثة الانهيار وان الحل يجب ان يكون عربيا!!
ولم اكن مع العراق لانتماء حزبي او ضوضاء بواخر ناقلات النفط والاعطيات التي فضحتها اوراق العراق بايد (جلبية) لاحقا !!! ولم اك مع صدام رحمه الله شخصيا لكني كنت البي حزن وعذاب ذلك اليعربي الذي ما تكرر (الحسين) الذي سعى الى الحل العربي
ثانيا:
الكويت فينا، قصة ساحرة!! كانت تلك القطعة التي اضحت (شامة على خد الجزيرة).. لغز ورسالة فهي أكثر دولة غنى في النفط وتناقض اهل النفط يوميا في المسعى الديموقراطي، وتعميق الثقافة، ونشر حرية الصحافة، واستقبال الفقراء العرب من غير منة…
كان في الكويت مسرح، وفيها مجلة العربي مجلة ابداع احمد زكي، ومحمود السمرة، وهي في مهنة الصحافة العربية… قد سبقت بيروت والقاهرة في تعميم وابتكار (التحقيق الميداني المصور) كان ذلك فتحا مبينا في عالم الصحافة وهي التي رعت حركات التحرر العربية وانها صنعت نظرية وطبقتها كيف (تصنع ثورة غنية) لقد اسهمت الكويت، في خلق حركة فتح كحركة تحرر وطني باموال نفطية، وكان ذلك كله في باب الرجم بالغيب والاتيان بالمستحيل …
ثالثا :
الاردن والكويت قصة تروى فعلا على الرغم من انني (بحريني الهوى والفؤاد)، الا ان التاريخ المنصف بروايته، يلزمني القول ان كلمة (الخليج) بالضفتين كانت تعني حتى زمن قريب (الكويت اولا؛ وارامكو ثانيا)
لقد اسهمت الكويت اسهاما مشهودا في بلورة وانضاج الطبقة الوسطى في الاردن، عماد الاستقرار والطمأنينة.. بما استطاعت ان تستوعبه من ثورة التعليم الاردنية، التي اطلقها الحسين، في وقت مبكر للغاية …. اواسط خمسينيات القرن الماضي …. وفتحت الكويت افاقا منيرة للاردنيين الذين تعلموا محليا (معاهد متوسطة وجامعة وحيدة / الاردنية) ليرسلوا ابناءهم لاقامتهم في الكويت، كي ينالوا دراسات في الجامعات الاوروبية والامريكية، وعاد ذلك بنهضة اردنية طاغية في كافة المجالات ….
رابعا :
والسؤال الممعن في الحيرة…
اذن لماذا حين وقعت الواقعة، انحاز الاردنيون في اغلبهم الى تأييد الموقف العراقي على حساب الكويت..
بكل صدق احاول الاجابة على السؤال فأقول: ان التاريخ قد علمنا فلسفة (المراجعات)
الاخوان المسلمون/ راجعوا انفسهم في مصر بعد مواجهتهم (لعبد الناصر) واذعنوا للحقيقة….
شيوعيو الاتحاد السوفياتي، راجعوا انفسهم في عهد خروتشيف، واعتذروا وادانوا الحقبة الستالينية،
والالمان ..في عهد اديناور راجعوا وذموا وندموا وادانوا الحقبة الهتلرية النازية …
حتى حركة طالبان راجعت حالها …
ونحن نحتاج الى مراجعة تفضي الى كيف يقبل الكويتي من الاردني التغني بصدام والهتاف له ولا يعتب ولا يحس ان ذلك موجها ضد الكويت البتة ….
اذ ان قصة العراق قد دخلت كاحدى مركبات النقص والعقد النفسية في روح كل العرب بلد كانت بين نعرين اضحت بين نارين (نار الحشد الايراني، ونار السطوة الامريكية) وهي بلاد صارت فيها نيران الطائفية المريضة تنبئ بقذف حممها في وجه كل المنطقة…
وهي البلد الوحيد الذي فقد رئيسه الشرعي صبيحة عيد الاضحى على حبل مشنقة فاحت من حبلها روائح طائفية مقلقة … وهي البلاد التي تصدر نفطا وتخلو من طاقة الكهرباء وقد توج كل ذلك صورة لعلها حفرت في قلب كل انسان يتمتع بالانسانية تلك الصورة التي انتحرت فيها العروبة على ابواب اقبية سجن ابو غريب حين نزع الامريكان كل شرف هذه الامة التي حين تنتفض على محتليها وجلاديها ذات يوم سيكون الدمار اكثر بكثير مما يتوقع اعداء هذه الامة …
كل هذا وغيره كثير يحتاج كما قلت في البداية الى مراجعة تاريخية وليس صحفية… فالمديونية الاردنية حين يتم الحديث بهدوء دون ضوضاء اكاذيب حزب الشارع وافترأتهم فمديونيتنا تكاد ان تتساوى مع ما كان يقدمه صدام حسين وليس العراق دعما لموازنتنا في دعم فاتورة الطاقة بسعر تفضيلي وبدعم نقدي مباشر للخزينة…
ولحظة احتلال العراق عام ٢٠٠٠٣ – ٢٠٢١ لو جمعت المليارين دينار تقريبا دعم العراق لخزينتنا لتساوت الى حد كبير مع مديونيتنا
ختاما :
الاردنيون، بين اشواك الدخول العراقي للكويت، واشواق دك صواريخ العراق للاستيطان الصهيوني الجائر والتي كانت اول صواريخ عربية تصل اليهم لتذعر فلسفة كيانهم الامن…
كان موقفهم وسيظل محكوما بهذه الثنائية ولو سألني السائح الكويتي الشقيق عن الهتاف لصدام فانني اجيبه (الدخول العراقي) للكويت قد زال ولم يعد له من اثر.. وصدام حسين شهيد العيد قد مضى الى رحاب ربه وسبحانه ادرى به ومشاعر العرب العرب الاردنيين…. تجاه الكويت مفعمة بالحب وعارمة بالامتنان ويكفيكم شرفا انكم المعبرون عن ضمير الامة الحقيقي في التصدي للعدوان اليهودي ومناهضتكم للتطبيع المتسرع من غير هدف ووقوفكم في وجه الفرقة الخليجية انتم ايها الكويتيون عرب الحب وعرب التسامح وكل اردني يدعو لكم ان يحميكم الله ويسدد خطاكم ولو سمحتم لنا القول ان الهتاف لصدام ان وقع فعلا وسيظل يتكرر لا يمسكم وليس ضدكم
بل هو تعبير حميم عن رفض الامة للضيم والظلم والتجبر
نشرت في : @عمون