سمرقندية أحمد سلامة تدير رؤوس نخبة عمان

من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، كان ذلك ما يمكن أن يوصف به ضيوف الأستاذ أحمد سلامة الذي يحل في إجازة رمضانية في أرض الوطن ، وكان طبيعيا في وجود شخصيات عرفت بأنها تاريخيا تعبير كامل عن فكرة رجل الدولة ، وفي المقابل ، وجود أسماء صنفت دائما بوجودها في خانة المعارضة لتشكل حالة نضالية متفردة ، أن تتحول السهرة الرمضانية التي أقامها سلامة لأستاذه في الجامعة الأردنية معالي نائب رئيس الوزراء أمين محمود ، إلى جلسة سياسية حفلت بالتحليلات الإستراتيجية المتعلقة بالوضعين المحلي والإقليمي ، وخاصة بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى عمان ، ففي أثناء السهرة التي بدأت ببعض من طقوس التذكر والحنين ، كانت أخبار المؤتمر الصحفي الذي يعقده كيري في عمان تتوالى ، الأمر الذي دفع

بالحوار القائم إلى تحليل آفاق الحدث الإقليمي ومصائر الربيع العربي ، واستغل أحمد سلامة وجود جمع من رجال الدولة ذوي الخبرة الواسعة ، وفي الوقت نفسه مجموعة من النواب والصحفيين لقراءة الوضع الأردني ، وهو الأمر الذي استدعى إلى ترشيح الزميل فيصل الشبول لأن يدير الجلسة لتعميم فائدة الحوار ، وهو من أتقن أداءه بخبرته الإعلامية الواسعة ، مع ممازحات عديدة بالانسحاب في الحالات التي شهدت محاولات للخروج بالحديث عن مساراته الواضحة.

كان منطلق الحديث رؤية المحلل السياسي عامر السبايلة للوضع القائم ، وتأكيده على أن ورقة التسوية في فلسطين تبقى الوحيدة المتاحة بالنسبة للأردنيين حاليا في موسم التسويات السياسية الدائرة في المنطقة ، حيث رأى السبايلة وجود حركة من التسريع والتسخين تجاه الحل على أكثر من مستوى ، معتمدا على قراءته لمجموعة من الأحداث المتتابعة في المنطقة، ابتداء من تنازل أمير قطر عن العرش لولده الشيخ تميم ، ومرورا بعزل الرئيس مرسي عن الرئاسة في مصر ، ووصولا إلى وضع موعد لتحريك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ،

وهو الأمر الذي لم يتفق معه نائب أمين عام الحزب الشيوعي الرفيق فرج اطميزة ، حيث رأى أن المسألة لم تعد حصريا لعبة أمريكية ، وأن العديد من الأطراف تتواجد في المنطقة ، وصمود النظام السوري أدى إلى تغيير كبير في الرؤية الأمريكية ، وتشويشها ، الأمر الذي تتعدد فيه الخيارات أمام الأردن ، ولكنه تساءل عن إمكانية انتهاز الدولة الأردنية لهذه الخيارات المتاحة أمامه ، وهو الرأي الذي أكد عليه أحد المدعوين من العيار الثقيل ، بأن الأردن اليوم عليه أن يستثمر وضعه في تطبيق إستراتيجية الفرص المتاحة أمامها ، مع الانتباه لأن المسار الإصلاحي السياسي في الأردن يبقى ضرورة ويجب أن يستمر بغض النظر عن التطورات الإقليمية ورغبة بعض الدول الفاعلة في تهدئة وتيرته على أساس التهرب من استحقاقات مماثلة لديها.

وأشاد كثير من الحضور على اختلاف توجهاتهم وأهوائهم السياسية بقدرة الأردن على مستوى قيادته وأوساطه الشعبية على تجاوز انعكاسات الربيع العربي ، ومخاطره ، واختلف الحاضرون على تقدير السبب الذي يعطى الأولوية في هذا السياق ، وذهب الصحفي المخضرم بسام بدارين إلى أن توازن الرعب الديموغرافي كان له الدور الحاسم في مرور الأردن من تجربة الربيع العربي دون أن تلحق به

خسائر جسيمة تؤثر على شكل النظام والدولة ، وهو الأمر الذي دفع أحمد سلامة ليتدخل موضحا العديد من النقاط استندت على خبرته التاريخية ، ويؤكد على دور القيادة الهاشمية في مفاصل تاريخية عديدة سابقة في امتصاص المشكلات القائمة على العامل الديموغرافي ، وقام بتحليل للحظات السخونة في العلاقة بين مكونات الشعب الأردني ، ليوضح أنها لم تكن في أي محطة ، بما فيها أيلول 1970 ، قائمة على انقسام مجتمعي ، وأكد على تقاسم الأردنيين جميعا ، باختلاف أصولهم ومشاربهم تضحيات كبيرة في سبيل القضية الفلسطينية ، ليطرح تصورا جديدا يقوم على أن حق العودة ليس حكرا على اللاجئين الفلسطينيين ، وإنما يشتمل بالضرورة على حق الدم الذي روى تراب القدس من قبل شهداء الجيش العربي ، مثل صالح شويعر ومنصور كريشان.

وتحولت الوحدة الوطنية إلى موضوع آخر ساخن للحوار ، حين وجهت انتقادات عديدة لبعض المؤسسات في الأردن ودورها في ضرب هذا المفهوم الثابت والراسخ لمصالح ضيقة ، ولكن كثيرا من الحضور أكدوا أن القضية ليست في الوحدة الوطنية ، ووضحوا وجود مبالغات في إطار تضخيم الموضوع ، وأكد أمين محمود أنه لم يتم سحب أي رقم وطني من خلال مجلس الوزراء ، وأنه لا يوجد استهداف للمواطنين من أصول فلسطينية على الإطلاق ، وتوافق الحضور على أن جوهر الاهتمام في المرحلة الحالية يجب أن يكون منصبا على الإصلاح السياسي الذي يعيد تشكيل المشهد الأردني بصورة متوازنة ومغايرة تكون مناسبة للتعامل مع المستقبل القريب ، مهما كانت الاحتمالات والنتائج ، وكانت الشكوى من المواقف العربية في دعم الأردن الذي يشكل اليوم أحد المحاور المهمة في التصدي لمشروعات تفتيت المنطقة وإعادة صياغتها سائدة بين الحاضرين ، فالبعض رأوا أن الدول العربية وغيرها تنظر إلى أهمية الأردن من خلال الدور المنوط بها ، وعلى ذلك تقوم بتحديد مساعدتها ودعمها للأردن ، ولم يتغيب الإخوان المسلمون عن المشهد ، فبينما رأى بدارين أنهم عنصر فاعل ومهم في المشهد ، فإن اطميزة حملهم مسؤولية تعثر الإصلاح السياسي في بعض من مفاصله ، واستشهد بالعديد من المواقف التي شهدتها عملية الإصلاح في مرحلة مهمة خلال العامين الماضيين ، وبدوره أبدى سلامة ارتياحه العميق لمسار الأوضاع في مصر ، مؤكدا

أن مصر لعبت بثقلها التاريخي والحضاري دورا مهما في ضرب الظلامية في الوطن العربي ، ووضع المشروع الذي حمله الإخوان المسلمون أمام اختبار تاريخي كبير ، أثبت الإخوان أنهم ليس في وسعهم أن يضطلعوا به ، وتوجه بهجوم حاد على الإخوان في الأردن الذين انسجموا مع المشروع الإقليمي على حساب مشروعهم الوطني ، داعيا لأن تكون المصالح الوطنية الأردنية هي الأولوية القصوى في أي مجال وسياق.

حولت أجواء الحديث في حديقة منزل أحمد سلامة في جبل عمان نسائم الصيف الباردة نوعا ما ، إلى جو من الحميمية والسخونة أحيانا ، ينشغل بالهم السياسي ، في سهرة كان يفترض أن تكون فرصة للتواصل الاجتماعي ، إلا أن التعبيرات الثقافية أيضا حضرت حتى في قائمة الطعام التي أعدها سلامة والتي تنوعت بين الشام القديمة ومصر الفاطمية ، وكانت المقدمة للسمرقندية التي استوحاها سلامة من رواية سمرقند لأمين معلوف ، وكانت الجوز واللوز الذي يغمس في عسل استقدمه سلامة من السودان ليغمس بعد ذلك في السمسم ، في استعارة ثقافية بليغة ، حيث كانت أحد الأطباق

المفضلة للشاعر والفيلسوف الفارسي الكبير عمر الخيام ، وتوزعت الجلسة قبل أن تشتغل بالحديث السياسي إلى منصتين أساسيتين ، الأولى تحلقت حول دولة أبو نشأت طاهر المصري ، وكان قوامها من الشخصيات السياسية العاملة والمتقاعدة ، بينما الثانية كانت أكثر شبابية وتشكلت من الصحفيين في غالبها ، وكان زعيمها (شيخ الشباب) النائب خليل عطية ، نائب رئيس مجلس النواب ، الذي اضطر للمغادرة مبكرا لظروف شخصية.

من الحضور الذين شاركوا في السهرة التي خالفت طقوس الجلسات المشابهة ، كان أصحاب المعالي ناصر اللوزي والدكتور يوسف القسوس ، والدكتور غازي البقاعين ، وبسام حدادين ، وماهر مدادحة ، ومن النواب ، حضر محمد الظهراوي ، وقصي الدميسي ، وعبد الرحيم البقاعي ، ومن رجالات الدولة ، تشرفت الجلسة بحضور الوزير السابق بسام حدادين ، وعبد الله كنعان ، ورضا البطوش ، والأكاديميين الدكتور حسين عطوان ، ومحمد يوسف علون ، وطالب الصريع ، ومحمد مشعل ، والناشط السياسي ورجل الأعمال حسين خليل وامين عام وزارة الشؤون البرلمانية رامي وريكات ، ومن الوسط الصحفي ، كان عبد الحافظ الهروط وناصر قمش وسامح المحاريق ورسام الكاريكاتير المعروف عماد حجاج ، وعلى رأس المجموعة كان المنافح عن حرية الصحافة والتعبير المحامي أيمن أبو شرخ ، الذي يعتبر أحد أعمدة الدفاع عن الصحفيين والإعلاميين في الأردن ، ومن ممثلى الوسط القانوني كان الأستاذ خضر ارشيدات أحد أكبر محامي الأردن وشخصياتها القانونية والمحامي البارز اشرف أبو شرخ ، وكانت فاكهة الجلسة حضور السيد طارق التقي نائب رئيس تشريفات سمو عهد البحرين ، الذي يقيم في عمان منذ فترة للإشراف

على معالجة ولده محد شفاه الله ، والتقي يعتبر الأردن فعلا وقولا وبدون مجاملة أو مبالغة وطنا ثانيا ليس بحكم نسبه في الأردن ، فالنسب أتى تاليا لعلاقة العشق التي يحمله للأردن ونتيجة عنها ، وكذلك جمع كبير من أصدقاء العائلة وجيرانها في منطقة جبل عمان.

هذه الأمسية ليست الأخيرة في شهر رمضان الجاري ، حيث سيقيم سلامة أكثر من سهرة رمضانية مستوحيا فكرة المجالس الرمضانية التي تشهدها مملكة البحرين الشقيقة لتكون فرصة لاستقطاب النخبة والقيادات الاجتماعية والثقافية في حوارات هادفة وبناءة ، ومن المتوقع أن تكون الأمسية التالية مفتوحة لمزيد من المفاجآت بحضور تيار السلف الذين يحاول سلامة دائما أن يتعرف على أفكارهم ومشروعاتهم في إطار تدارسه لتاريخ المنطقة ومستقبلها ، ووعيه بتواشج العاملين العروبي والإسلامي في هوية الأمة وشخصية شعوبها ، ومؤكدا على أن الحوار دائما لا يفسد للود القضية ، وإنما يعزز الود والمحبة ويرتقي بهما.

الزميله “هلا نيوز ” قامت بالتعليق على تلك الاْمسية وتاليا نص التعليق ….

جاء الهاتف بعد عقدين ويزيد ، ان لم تخني الذاكرة، يدعو فيها الصحافي المخضرم أحمد سلامة لحضور امسية بعد الافطار ، فقلت في نفسي، الجلسة ساخنة وابعد من تقليب حبات قطايف او “النبش في صحن مكسرات” وتناول هذه او تلك من اصناف الفاكهة التي اعتدنا عليها ان تقدم في مثل هذه الجلسات الطارئة.

فالذي قرأ للاستاذ أحمد ذات يوم ، يدرك ان هذا الصحافي العملاق ما ان تواجد في جلسة من جلسات الفكر وتحدث ، او استل قلمه لكتابة مقالة في صحيفة “الراي ” التي اعتزلها او في أي صحيفة ورقية اخرى، اجبر على الكتابة فيها ، الا وخرج”ابو رفعت” منتصراً في اقناع سامعيه،وجمهوره من القراء، مثلما كان يجبر كل قارىء على اكمال المقالة سواء كانت صفحة كاملة ولثمانية اعمدة، او غطت مقالته الشاشة الالكترونية منتزعاً منه ساعة قراءة، ذلك ان اسلوبه المشوق “والسهل الممتنع” الذي تفرد به عن غيره كفيل بأن ينتزع الاعجاب والاقناع والمتابعة.

الجلوس مع احمد سلامة، لا يمل، وتزداد حلاوة الجلسة وهو يشاكس هذا ، ويشاغب فلاناً، ويهمس باذنك، ويوشوش عن آخر، ويدلي بمعلومة لم تسمع بها من قبل،ولو لم نعرف نواياه ومضاء لسانه، لقلنا ان هذا “الانسان” يضع السم بالدسم، مع ان ضيافته للحضور،خلت من الاثنين، لا بل كان الحاضر على الطاولات المتناثرة العسل المصفى والسمسم والجوز واللوز وما اضيف لها من فاكهة وكنافة وحلويات اخرى،وعصائر، كانت له ستراً من النقد اللسان ،اذ حفظ بها جميعها ماء وجهه، عند الاردنيين.

فقد ظل ينادي، “يا عمر، ياسعد ، يا رفعت، يا اسامة، يا شباب، صبوا القهوة، ضيّفوا الاخوان، يا هلا ، كيف الخدمة؟ والله لو انا مش معزب، لقلت يلعن ابو هيك معزب على هيك خدمة” لنرد “حماك الله من القصور يا ابو رفعت”.

“ابو رفعت” الضارب قلمه ولسانه في بطون مختلف وسائل الاعلام والجلسات والمؤتمرات ، ،الغارق من رأسه حتى اخمص قدميه بالسياسة والصحافة، مع انه يدعي اعتزاله لهما او بالاصح اعتزاله الصحافة، وهو في الحالين اعتزاله خسارة، ما دعا تلك الوجوه الا لأنه يحبهم ويقدرهم مثلما هم ، وغيرهم ، وان اختلفوا في الرأي ، وهذا ما اتضح في الامسية، فلم يكن هناك تشنج في رأي او تردد في طرح فكرة، مهما بلغت صحة الرأي او عدم صحته، او كانت الفكرة محل قبول او رفض.

ولكن “تغريدات” الزميل العزيز ، في الهواء الطلق وفي”القعدة” التي جمعت الاخلاء والاصدقاء والزملاء وما انتجته من علاقات جديدة، ما كانت تلقى حرارة ومشاعر دافئة في نفوس الحاضرين لو لم يكن هذا الشاب الأشيب”صاحب الدار” وحتى لا نقول صاحب الدعوة، فقد اختلطت تغريداته براحة “الياسمين” التي تطوق الساحة، ليدور الحديث في جلسة اخذت أكثر تنظيماً، وما هي الا جلسة تتجدد من جديد ويرمي الكرة بأحضان مدير عام وكالة الانباء الاردنية “بترا” الزميل فيصل الشبول ليدير الجلسة، التي فاتت على رئيس مجلس الاعيان دولة طاهر المصري ومعالي ناصر اللوزي ، وسعادة النائب خليل عطية، الذين اضطروا للمغادرة ربما لارتباطات او لتأخر الوقت، او لأنهم لاقوا من “المعزّب” ما سّرهم من تعليقات، او العكس، على اعتبار ان ابا رفعت يجيد التلاعب بالعبارات، ولا نقول يحرّف الكلم عن مواضعه.

الزميل الشبول رمى سؤالاً عريضاً “الى اين ذاهبون”؟ وأظن انه قصد الحالة العربية برمتها في ظل المخاض العربي ، وبما يجري على الساحة الاردنية، التي تطوقها نيران تستعر.

ادلى كل بدلوه، وبين متشائم ومتفائل تفرقت الآراء بالوزراء، بدءاً من معالي وزير التعليم العالي أمين محمود، مروراً باكاديميين ونواب وصحافيين ومتقاعدين عسكريين ومدنيين وانتهاء عند آخرين ، الا ان الحديث لم ينته،فقد تواجد معالي وزير التنمية السياسية السابق بسام حدادين، ومعالي وزير القطاع العام الاسبق ماهر المدادحة، وعدد من الباشوات.

الاستاذ احمد سلامة، وبين طرح الرأي والتعقيب والمداخلة التي قمع فيها اكثر من مرة من رئيس الجلسة، أبدى تفاؤله بنهوض الامة، وان الاردن اثبت قدرته على التعاطي مع الاحداث والمستجدات،وانه سيظل له دور محوري ، فقالً”ان حق العودة ، لا يعني بأي شكل من الأشكال عودة ابن المخيم النائب خليل عطية، والا ماذا نقول للشهيد الاردني منصور كريشان ودمه المخضب بتراب القدس؟

الصديق العزيز “ابو رفعت” ، لو لم اسمع ما سمعته في هذه الجلسة من فكرعال ظل يموج برؤوس المدعوين، لقلت ان في “صالونك” نميمة، شأنه شأن صالونات سياسية كثيرة.

@الاصلاح نيوز