جرت العادة الغالبة في بلادنا ان تكون المراثي للرجال.. والمراثي صنف من اصناف الادب في التاريخ العربي، واول مرثية كانت حد السكين في حزنها حين سمع الحبيب المصطفى المعصوم صلوات الله عليه وسلامه اهل المدينة المنورة بجلاله يبكون قتلاهم في غزوة أحد.
ولم يصل صوت قرقرة دمع لتطيب روح النبي المصطفى، على عمه (الحمزة) بكى المصطفى دموعا بلون الدم وقال “ولكن حمزة لا بواكي له”، وراحت حكمة ابدية اول ادب للرثاء.
اليوم اكتب عن سيدة طافحة بالحب واراها ثرى الياروت البريء، لكن روحها لن تحجب ببهاءها عن كل من عرفها، ام سامر يرحمها الله
رفيقة درب الكبير، الطاهر قلبه، الطافح بالسمو تاريخه، الكبير في مواقفه، الذي ربانا على حب الاردن، عبدالسلام المجالي.. الذي ادعو ربي ملتمسا ان يرشق الصبر ريحانا في قلبه..
اكتب عن ام سامر البريطانية المولد الاردنية الدم والحب قصة اردنية نباهي بها العرب..
عبد السلام المجالي، الذي هو مثلنا في حب الاردن اختار ام سامر رحمها الله، لانه مسلم حنيف، قدوته الحبيب المصطفى، الذي زرع وامر بروح التنوع في الاختيار فاصطفى ام المومنين (ماريا القبطية) رفيقة له..
كذلك فعل الباشا ابو سامر من دون مركبات وعقد التفاوت الحضاري انحاز منذ مطلع شبابه للتنوع والتعدد وتكامل الشعوب والحضارات بالحب وليس اعلى من الحب شيئً في توحيد القلوب..
ام سامر اضحت مجالية، كركية، اردنية، وطنية حرة سيدة..
تشرفت بمعرفتها وكانت بالنسبة لي (اما) رحمها الله اويت الى منزلها في مطلع الثمانينات، حين تقاسمت مع سامر الغالي، مهمة صناعة منظمة شبابية لابناء الجامعات الاردنية، وانضم الينا على عجل (سوسن وشادي) وصرت ادلف الى المنزل كواحد من ابناءها..
كان كل بيتها اخضر وكفها اخضر وقلبها ام سامر كان اخضر… كريمة مثل كل كركية، لا ترتكن الى خادمة ولا عاملة منزل لاعداد الطعام، وكانت بشوشة سمحة اعتادت ان يكون منزل عبدالسلام محجا ومباتا ومكرما للضيف..
واستطاعت هذه السيدة الطيبة ان تحيل ثقافتها المتقدمة الى منهج حياة امتزج وتخالط بارادة منها لا تلين وبمساندة من ابو سامر
الى خلطة اوروبية كركية مثل كل قصص الحب الاردنية الحلوة المذاق..
ام سامر، صنعت من (المجالية) مدرسة تجهيز لاشاعة روح خاصة طغت على ذلك المنزل ثمة بيوتات في عمان ستظل عندي منصات هوى..
تعلمت منها في ميعة صباي وعنفوان شبابي كيف يكون الحب اول الوطنية، وكيف تصير الوطنية حبا خالصا،
كان بيت ام سامر اول الحب الوطني وتوالت فصول ام سامر فينا…
نحن كبرنا وهي كانت دوما كبيرة وتلاقيت بكل الشرف بها الف مرة وفي كل مرة كانت تعلمني درسا جديدا وفي مكان الطيب في البحرين جمعني القدر سامر وانا في وظائف متلازمة من تحت ولاية سمو ولي العهد في البحرين.. واتيح لي ذلك التزامل حد التلازم
ان التقي بابو سامر ورفيقة دربه تلاقينا في منازل كثيرة منها منزل حيدر الحبيب وفي بيت سامر..
قبل ان اختم ثمة قصتان ارويهما بكل دلالات التعلم من هذا الذي علمنا ان السلام يصنع بالارادة ومدينة الحسين حلم يخلق مثل رمش العين والجامعة الاردنية واحة الاعداد الاولى
كانالباشا حفظه الله في زيارة للبحرين وقد نبت عن سامر في شرف الاستقبال على باب الطائرة وامر الباشا بكرسيين مقاعد حركة واحد للمرحومة ام سامر وكانت تعاني من كسر لا يساعدها على المشي.. والثانية للباشا نفسه وكان ابو سامر بكامل صحته..
قبلت يده.. ومشيت وحيدر من خلفهما كانت ام سامر سعيدة لرؤيتنا علمت لاحقا ان الباشا اختار الكرسي ليحسس ام سامر ان الرفاقية لا تحتمل الافتراق حتى بالمرض..
كان درسا دافئا لمعنى التشارك
في حضرة الاحتفال بمكانة وتقدير عبد السلام المجالي الذي نظمه امين محمود في مؤسسة شومان كان لي الشرف ان اتحدث عن العم الكبير كطالب من طلابه بعد ان ذهبت للسلام على ام سامر قالت لي “يرضى عليك يا احمد انت تفرح الباشا لانه حين يرى تلاميذه يحسسني انه اولاده مثل اولادنا”.
رحمها الله، وامد في عمر باشانا الكبير، وحسن العزاء للاخت سوسن وللحبيب سامر وللغالي شادي، ويظل هذا الثنائي العالمي “عبدالسلام، والوطنية زوجته يرحمها الله” قصة الخلود في بهاء الاردن..
نشرت في : @عمون