أحمد سلامة يكتب لـ عمون عن “حاكمية ابن فايز الطريق الثالث”

عمون – خاص – كتب أحمد سلامة – ثمة قصة غريبة، تربطني بالأردنيين، ككاتب تقاعد عن القلم ولم أتقاعد عن حبهم الى أبد …

كلهم بلا استثناء يعاملونني أنني ‘ولدهم’ ، الذين لايريدون له أن يكبر أو يشيخ …

وانني متوفر لهم دون غيرهم ، ولايقبلون أن يرونني في مكان خارج اطار رغبتهم وارادتهم …

أُكتب نحن عاتبون عليك … ولايحق لك ان تصمت في هذا الزمن …

كنا في حوار المنامة ، بين وزراء دفاع أمريكا ، وبريطانيا وهموم مصر، وخروج عُمان عن مألوف صمتها مجاهرة ، برغبتها بالأنحساب …

نسي ذلك الاردني النبيل ، انني أول مرة أتشرف بقبلة منه على قلبي ، وخرج من كل ما حولنا من ضجيج سياسي في قاعة فندق (الريتز) ، ما قبل العشاء الرسمي ، ولم ير فيّ أبداً انني موظف في دولة شقيقة أخرى ، وترك رغبته اليّ في صورة أمرة ً .

أُكتب …

أُكتب لأولادنا ، نحن نريد بعض حبًّ من جيلك لأبنائنا …!!

أجبته على الفور …

ياسيدي ، أنا من جيل اردني أكرمني الله والوطن لانني ما اعتشت من الكتابة يوما ، اي انا لا أصنف نفسي كاتبا امتهنت حرفة … أكتبُ بالقلب ، او بالقلق ، او بالحكمة ، حين أحس خطراً او يدركني حسنا، او أقدر على موعظة حسنة ..لكنني وعدته ، وانا للأردنيين، أحب ان أبرّ بوعدي ولم أدر ، ان حاكم الفايز ، سيرحل في اليوم الذي تلا هذا الحوار في قاعات مؤتمر حوار المنامة ، مع نشمي أردني كله بهاء …

ولأن ‘حاكم’ يرحمه الله كله حدوتة وصبابه أردنية وأغنية أندلسية فواحة في حب العرب … جاء تنفيذ الوعد ، لذلك الاردني الذي أمسك عن ذكر اسمه اعمالا وتنفيذا لرغبة منه بذلك .. لأكتب …

بالقلب أكتب عن ‘حاكم’ …

لكل لغة دلالتها ، ولكل صورة إطارها وليس أحلى من لغة العرب (العربية) ، خصباً في الدلالات ولا أعز من أُطرها معانٍ ..

ليس الا اللغة العربية .. في كل اللغات الحية المدركة ، ولغات التصوير صينية أو مسمارية .. يجد مستوعبها عمق التصوير بـ(الحروف) .

اين ترى فرقا مثل الذي تصنعه لغتنا .. بين ‘أثَّاقلتم’ بتشديد الثاء القرأنية و’تثاقلتم’ ؟! ..

وكذا الحال في وصف ‘الصبح’ حين ‘ يتنفس’ (والصبح اذا تنفس ) …

بهذا المدخل اللغوي الأكاديمي الثقيل ، ربما على الصحافة الالكترونية أقول مباشرة ..

أحب أن أنحت وصفا لغويا أخلاقيا وطنيا عربياً ‘أردنياً’ ، خاصا بنا منسوبا الى ‘حاكم’ .. فأقول ..
‘الحاكمية الأخلاقية اليعربية’ نسبة الى ‘حاكم الفايز’ ..

‘الذكرى، والوقت والتضحيات والمفاهيم ‘

أحب أن ألغي من عقلي كلمة ‘الحاكمية الرشيدة’ ، وحاكمية سيد قطب بـ(حاكمية أردنية) ..
لها دلالات ، تخالف الثنتين السابقتين وهي لنا ..

أوليس حقنا أن نقول شيئا ، نفاخر به ونتباهى، لانه كله حق ويميزنا عن كل العرب ، كل العرب .
وهذه الصفة الاردنية المنسوبة لرجل(لن يموت) ، وهو ‘حاكم الفايز’ ، تمثل نهجا سياسيا ، وبرنامج عمل ، واستذكاره ، واعلاء شأنه حاجة وطنية لنا جميعا في ظل هذا الضياع ، بين ‘الحاكمية الرشيدة ‘ ‘وهي مدرسة المشروطية الغربية المتوحشة ‘ المفروضة على ضمائرنا لتغيرنا عنوة عبر (صندوق الانتخاب والبنك الدولي) .
والحاكمية القطبية ، المزمومة لسيد قطب ، التي ترى في قطع الأصبع الخامس ، احياء للأصابع الاربعة في كف الامة ، كف دامية ، ناقصة لايهم .. المهم هو ان تكون ‘رابعة’ بأصبع ناقص نُحتت منه ، هي رمز المرحلة وعنوانها …
أزعم ان طريقاً ثالثا.. ‘وحاكمية’ ثالثة ، ولم تزل هي الأصوب ، وهي الأرحب ، وهي كذلك الأنسب لننطلق بها ، أو تنطلق بنا من جديد ..

‘حاكمية ابن فايز’ …اي قصة حياة حاكم .. هي أنسب ما يمكن ان تبين لعبورنا المرحلة ..
نظامنا بكل احراجات ضعف مكاسبه بحاجة لروح حاكم .. وكتابنا ، يحتاجون تمثل روح حاكم ..
وفكرنا قد تجمد وتكلس ولا يطريّه ويعيد له الحياة إلا قصة حاكم …

…….. … ………
هل اسعى لنصب’عريش’ للغزل والرثاء للرجل ؟! لا انتوي ذاك،!!.. وليس هذا مرادي ..
ادراكا مني لارتياب الاردنيين الدائم في مبررات الحب ، ودوافع التفكير البريء، لإنني اصارح المتربصين بالشك فيما ساقول .. الأعلان ، انه حتى اللحظة لم أتشرف البتة في مصافحة ‘حاكم’ ، ولم تربطني به صلة فكر تنظيمي من بعيد أو قريب ، سوى حبه حد الهيام بالعرب .. وهذا إلزام لنا أتباع المدرسة الهاشمية ، نلاقي فيه كل عاشق لله، ولنبيه عليه صلوات الله وبركاته ، ولأمة العرب ، التي هي امانة كانت وستظل ان شاء الله ، من ضمن أمانات الهاشميين لأمتهم …

لماذا ‘الحاكمية الاردنية’، مدرسة فكرية نحتاجها .!!

كل تاريخ قبائل أهل الشام ، ترتبط بحوارات ،وبأشخاص بل كدت أضلّ فأتسرع فأقول .. كل تاريخ قبائل أهل الشام هو دور لشخص كان يبحث عن بطل … !!

والكرم للرجال بطولة …
والتسامح للرجال بطولة ..
وقف العدا في ساحة الوغى بطولة ..
واصلاح ذات البين بطولة ..
ونزاهة اليد ونظافة القلب لرجال الدولة بطولة ..

والتشبث بالمواقف كرهانات للرجال .. مهما كانت الخسائر تشكل بطولة البطولات …
والاسطورة التي تتداخل فيها القصص حد اللا معقول .. هي قمة البطولة ..
ولقد كان حاكم الفايز يرحمه الله ، ارقى أسطورة أردنية في العقود الخمس الماضية التي عشناها كرجال ، وابناء لوطن اردني …

ولقد أضحت أسطورة ‘ حاكم ‘ الأن ، حاجة وطنية ، علينا تحويلها الى ترنيمة وطنية ، ‘وعمّاد’ لأبنائنا من الجيل الذي أرهقهم انتظار الحدث ، هل يصير الزعتري مخيم أسمنتي، ام يظل فكرة للخيام ؟! .. دون أن نسأل كيف صارت الشام كلها ‘خيمة’ بعد ان كانت غيوم قاسيونها تظلل غوطتها ، مثل’ المعاطف’ التي تدفيء العكسر الرابضين على أسوار القدس أيام كانت القدس نحلف بها .. من غير المرور عبر بوابات البطاقات ‘خضراء كانت، أوصفراء’!!!!!

حاكم الفايز …
قصته وتر المرحلة ، واحدى راياتنا التي تحمينا .. تعالو نتذكر معاً…!!
أعكف الأن على قرأة كتاب صدر في ايلول الماضي بعنوان ‘ الحب ورأس المال’ Love and Capital… لـ ‘ ماري غابيرييل ‘ عن البارونة جيني ويستفالين زوجة كارل ماركس ، وكارل ماركس ..
واتمنى على الصديق العزيز ناهض حتر ، أن يطالعه لأنه كتاب يجب ان يطلع عليه كل مفكري العاصفة التي نمر بها ، فزمن كارل ماركس ، كان كله قبح وقسوة مثل الذي نعيشه ، وخطورة الكتاب ، انه يُعلّم من يحب أن يرى مابعد القائم .. تداخل الشخصي بالعام … ‘الحب مع الفكر’ في حياة كارل ماركس وبهذا أرجع لأسطورة حاكم فينا..
…. …… …..

اول من تنبه لخطورة دور ‘السّكة’ الخط الحديدي الحجازي .. كان ‘لوتسكي’ المؤرخ والمستشرق السوفياتي الخطير في مؤلفه عن العرب .. وتاريخهم الحديث.. وكلود كاهان المستشرق النمساوي الخطير .. الذي نحت علم تشكل الطبقات في بلاد الشام ، من حول ‘ السّكة’ .. سطوة تجار الراسمالية ‘وطبقة العسكر ‘ اذا التعبير جاز ، وطبقة ..’تجار الحج الدينية’ اي تحول الحج من ‘محمل’!! الى ‘موسم ‘!!!

مرة واحدة في حياتي استمعت لاحقا الى كلام اتحفني ، عن هذا الموضوع الحساس والخطير ، من ‘ نضوة الاردن’ ، وأغلى عمّ كان لي ، واستاذي ،ولم يزل الذي لم اوافقه في حياتي قط على أي من نظرياته الكثيرات .. كان معالي الأستاذ عدنان أبو عودة مدعوا في رحلة التأهيل الطويلة التي أعتمدها الحاج محمود سعيد رحمه الله للمهندس وجيه عزايزة ، كي يدرك المراد .. وكنت واحدا ممن تشرف بالاستماع لـ (ابوالسعيد) ربما ان ذلك كان في اواخر الثمانينات .. كان أبو السعيد ، قبل أن يسرق منا في حكاية ‘التنغيص والتنقيص’ في الحقوق هو عنوان المرحلة ، وعزتها ، ليلتها تحدث طويلا في هذا الموضوع ، لكنه بعد ذلك قد أفلت من يديه حين عتب وغضب ، كما فعل الكثير منا حين يغضبون ..!!!

في قلب القلب ، من قوس البادية .. حين يتداخل عند منزل الباشا عبد الرحمن العدوان لون التراب .. الأصفر.. لون الذهب .لـ بن فايز .. والأحمر القاتم .. بلون الدم لـ بن عدوان .. نشأت القصة .. والاسطورة .. من دون الرواح الى جوف ذلك المكان البهي ..

حين تغري الأمكنة بملاحتها ، البداوة بسطوة ملاحة اساطيرها ، اود أن أحصر ما ساقوله بالأشخاص والادوار لأكوّن مبررا عقليا وأخلاقيا .. لـ(سطوة) أسطورة حاكم الفايز في داخلي …!!

…. …. ……

ثمة ثلاث شخصيات عدلت مسار دور قبيلة بني صخر ، من دور ‘مجاميع وفرسان’ الى دور سياسي واجتماعي وأغامر وأضيف .. وفكري أيضا …
….. مثقال أول الدور …
…..وعاكف صاحب الفرصة …
….وحاكم ، الفكرة والبرنامج …
… ….

اقانيم ثلاثة ، قهرت حقائق ، وانبتت أساطير ورؤى ، وبتحفظ أستدرك ..
ما أكتبه ليس بمحاولة لتخليد دور لقبيلة ، بل مسعى صادقا لتخليد نبل قبيلة ، في بناء وطن .. وثمة عائلات وقبائل ، من أقصى عشائر القاضي ، حتى ربوع المجالي ومن مشيخة مروان الحمود ، حتى سطوة سليمان طوقان ، وابو العبد أحمد طوقان، ورجل الادارة الفذ والرمز القومي الكبير الذي شكلت جنازته والاحتفاء بأربعينته عرسا قوميا يتلى عودة القسوس .. ثمة بطولات شكلت الملحمة الاردنية بصورتها الكلية .. لكن لهولاء.. حكمة تتلى ، وتنير الدروب …

كان مثقال الدور .. مع عصبته وبني قومه ، من زمّ السيف بالزند.. ليجعل دور البداوة ‘ زنار الحب لعمان’ باب الصد ، وباب الذود عن وريثة المدينة المنورة ‘ عمان’ في اول مؤتة …

لقد حضر مثقال بموقعة في معركة البقاء الاولى ، بدم بني صخر كلهم ، معركة الخندق من جديد .. وتَمثلَ روح ‘ سلمان الفارسي’ حيث اكرمه النبي ، برفع نسبه اليه ، ان البطولة ‘ الغزو ‘ في عشيرنيات القرن الماضي ، لايماثلها في التاريخ الا غزوة الخندق …

كانت غبار المعركة ودمها وترابها ، تؤشران على هوية الوطن القادمة …
هل سيكون الاردن .. غابة انقلابات هلى هيئة سوريا .. أم ساحة حرب ‘ملعب الكبار الدائم كلبنان’ ام حالة من تخبط قيادات ، تعصف به كما فعل قادة فلسطين ؟!

لقد أسس ‘مثقال ‘ دوراً للبداوة ، في تكوين دولة الامة ، دولة الهاشميين ، بولاء صادق ، وبأيمان بالاستقرار ورسم ملامح المستقبل …

صار للبدو بعد غزوة الخندق الثانية مع ‘ الخويين’ دور ملح الارض في بناء دولة الامة ..
وكان ذلك كله جديد على بدو بلاد الشام .. كان دورا يبحث عن بطل .. وقد لبّاه مثقال كاملا…

اما عاكف .. الذي اشتهر بكنيته أكثر من اسمه ‘ ابو فيصل’ فقد أشهر اعتراف حزام البادية بحتمية التداخل بين أهل الحضر في الشام ‘ حمويين ودماشقة ‘ وبني صخر ..

كان عاكف جسورا في اقدامه على تغيير الملامح في السحنة والبشرة .. وكان ذاك أول اشارت جني ثمار الكفاح لبناء دولة المدينة ، وبناء دولة الامة …

لقد .. ‘ شقّر’ عاكف لون بشرة ابو غيث ، اذا التعبير لغويا جاز .. بحيث ان حمر النواظر .. قد صنع لها واضاف عليها ابو فيصل ‘ حمرة البشرة ‘ حين باهى بتلك المصاهرة التي أضحت ، بوابة محبة وونسة ، ومصاهرة دائمة ، بين كل دار خير وأبو قورة وبني صخر..

كانت سحنة الأبناء الذين تشرفوا بحمل دم أميرالاي العز سعيد باشا خير يرحمه الله ، ومثقال الفايز اكرمه الله أول اشارة لنجاح المشروع الهاشمي الوحدوي .. وأول مداميك تكوين المملكة العربية الهاشمية .. كان هو سعيد خير ، على الطرف الأخر ، من حمل ‘المؤسس العملاق’ سيدنا الاول .. في مَحَفَته حين مات .. وانزله الى مثواه الأخير وفاض عليه أكرومة هاشمية ما كررها لغيره حين أبنه قائلا .. ‘ والله لو يجيز الأسلام نصب التماثيل لوضعته لك على باب رغدان ‘ ..

كان عاكف همزة الروح ، ‘ بين ابن خير وابن فايز’ ، كان هو ابو فيصل .. جيل الاردنيين الذين صنعوا من مملكتهم ضفتين ، بعد ان كانت ‘ صفة’ للضفتين ..

وكل افواج الدماء التي شخبت من ‘ حمر النواظر ‘ من الخان الأحمر ، حتى جنين ، ومن القدس حتى الجولان … ومن عُمان ، حتى الموصل وحاج عمران .. كانت كلها روح عاكف الموحدة ، الوحدوية ، الباسطة راية الامة ، والمذعنة الملبية لتعاليم آل هاشم في العروبة ..

أما حاكم .. الفكرة والبرنامج …
فهو حكاية .. وأسطورة ، نرويها للاجيال ، ونرويها بالدماء ….

…. ……

ثمة قصة أحب ان أبدأ بها عن حاكم .. أسطورة حاكم فينا …
قبل سنتين بالضبط من هذا اليوم ، كنت في معية سمو ولي عهد البحرين ، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ، في زيارة عمل لألمانيا .. وألتقى سموه حفظه الله ، مع المستشارة ‘ ميريكل ‘ عند المساء .. واستهلت حديثها كما يلي …
‘ غدا صباحا سألتقي مع جلالة الملك عبد الله ، ملك الاردن ‘ وبكل المؤازرة والأحترام أضافت ‘ حضر حاثاً المجموعة الاوروبية لتحويل مبلغ مالي للسلطة الفلسطينية ، قبل نهاية الشهر ، لأن وضعها اي السلطة كارثي’ ….
عند المساء ، كان ‘سيدنا’ ، ‘ وسمو ولي العهد ‘ يتعشيان معاً ونحن كوفدين شقيقين ، تناولنا العشاء معاً على هامش لقاء القائدين .. يومها .. كان احد دعاة الأيقاع الرديء في الدفاع عن النظام السوري .. من لبنان الشقيق ، يشن حملة عاتية ، على كل وسائل الاعلام ، ضد ‘ سيدنا’ شخصيا’ ويعلق بتبجح شديد ، ان اردنيين اصدقاء له ، قد أخبروه ان رحلة الملك الى اوروبا ، ليحصل على المال الذي بدده ، على حياته الشخصية ‘!!!
كان ايهاب وهاب ، يكيل التهم لـ ‘ سيدنا ‘ ، لأنه أغضب دعاة الفكر القومي السوري في كل بلادنا ، حين قال أي سيدنا ‘ لو كنت مكان بشار لأستقلت ‘ …!!
أحببت ان أبدا بهذا ، محاولا أن أرسم طبقا أردنيا خاصا لنا ، يتوسط ، فكرة ‘ الحاكمية القطبية ‘ ، والحاكمية الرشيدة ..
فكرة ، تحاول استخلاص الحكمة من أسطورة حياة حاكم الفايز كي لاننسى ، بدعاة الفكر الحديث عندنا أصدقاء ‘ ايهاب وهاب ‘ ، او خصومه ، لإنهما عندي يتساويان …

…….

نقول أسطورة حاكم ‘ او حاكميتنا الحنونة’ …
حاكم ..
ورث ثقافة الخندق عن مثقال .. ورسالتها .. لكنه وسّعها ، وشد مداها ، لتصير عنده خندق امة وليست دولة أمة وحسب …
وهذا اول الأسطورة في حياته .. ثم سخر الجغرافيا ‘ المكان’ ، ولم يدع لألغائه او يهزأ به بل فاخر على المدى بأردنيته .. لكنه أرادها ليس نيابة عن الامة بل ملتحمة بأمتها …
وهذا واجب قدمه حاكم من غير منّه على احد .. واعتبر فلسطين بكليتها مثل ام العمد مسقطا للرأس ولا يُرفع الرأس الا اذا أسقط اعداء فلسطين ..
وكانت تلك أقدس اهدافه السامية …

سكن الشام .. لانه راى حصته فيها مثل حقه في بغداد والقدس وتمضي الأسطورة …
حين أودعه حكام الشام في غيابات السجن … لتصير حصته في الشام زنزانة..
عشرات من السنين … هل مصادفة ان مات حاكم ونيلسون مانديلا في نفس التوقيت ..؟!
ثمة مراد إلهي نبيل ، يرفعنا في الاردن دوما الى درى المجد حتى في موت أبطالنا ورموزنا الخالدين …
كنت فتى في ‘ الرأي’ ، ألاعب كيفية استرجاع الأندلس ، ذلك ما قبل فك الارتباط .. وكانت حروف اللغة عندي حنونة ، لم يفك ارتباطها حينذاك مع الخلود القومي ، كنت مثل كل البلابل ، التي تغرد حتى تموت ..
ذات يوما ثمانيني ، ناداني الذي لايموت ذكره الطيب عندي محمود الكايد ..
كنت مدير تحريره( الرأي) ، وكان هو رئيسه ، كنت قد فرغرت عبر حوارات وكتابات من اقناع ‘الرئيس الشهم’ أبو العزم ، بحتمية ‘ تذكير الرأي ، اعزازا لها .. وقد أفرحته الفكرة وأطربته …
كان يطرب ذلك السلطي الفلسطيني الأردني العربي المجيد لكل جديد له مذاق التنوير والشهامة القومية …
قال لي بطريقته الساحرة ..
بدون ماحد يعرف ، أريدك صياغة خبر ، وان تضعه على الصفحة الأولى …
‘ جلالة الملك حسين ، إصطحب معه عاكف الفايز في زيارته لـ دمشق أمس ، وتوسط لدى الرئيس حافظ الاسد لأطلاق سراح حاكم الفايز ، ووعده الأسد خيرا ..’
كان هو تلك السنديانة الأردنية زيد الرفاعي ، من اعطى ‘ ابو العزم ‘ الخبر.. واراد ‘ أبو سمير’ ان يكون نشر الخبر صورة من صور الألزام لأصدقائه في سوريا …
الملك الراحل ..
سيدنا رحمه الله ، صاحب مشروع قومي ، يتقاطع كليا مع مشروع ‘ حاكم ‘.. ويتطابق مشروع حاكم مع مشروع سجانه’..

وهذه هي أسطورة ‘ حاكم ‘ …
لقد توج حاكم أسطورته ، بأسمى خلق عرفه العرب ، اذ بعد عيش في زنازن الرفاق ، تجاوز الربع قرن ، لم ينبس ببنت شفة ، نابية ضد حكام ‘ دمشق’ ، بل على العكس من ذلك حين تم أستهداف الشام ، كان من المنافحين عنها …

اذن ،
حاكم .. الذي توسط له الحسين ، لدى حافظ ، وبمؤازرة من زيد الرفاعي ، والحاح ‘عاكف ‘..
ويعود للأردن .. وسيدنا يذهب لتهنئته بالسلامة وهذا هو الأردن ، الذي لم أزل أرى فيه نموذجا ثالثا أرقى من الحاكمية القطبية ، وأكثر أصالة من الحاكمية الغربية الرشيدة ..
هل اكرمنا حاكم بموته وهو يجاور من نيلسون مانديلا ..؟! في الزهد..
أحب وأتمنى أن يظل الأردن ، قادرا على صناعة رؤى خلاقة ..
نبحث معاً .. عن صيغة ، تجيب عن عدد الاسئلة .. وبوابة الأسئلة .. تبدأ ..

من أسطورة حاكم الفايز … مستذكرين دوما زنزانته في دمشق ، ووساطة الحسين لحافظ … يرحمها الله ، وقبضه على جمر فلسطين حتى رمقه الأخير ….
حاكم الفايز .. ما مت يرحمك الله …

@عمون نيوز