ملاحظات دافئة في مرثية ابو السعيد
رحمه الله
فقد كان رجلا في حجم وحدة عربية رغم كل ما شابها من عيوب ونواقص، فان الوحدة الاردنية الفلسطينية اثمرت ابهى تجربة في الوطن العربي.. وكان المرحوم عدنان ابوعودة يثير قضايا، اكثر مما كان يثير غبارا!!
لقد تلقيت بكل تقدير دعوة الغالي سعيد وريث النسب لعدنان لحضور الحفل، والتمست منه ارسال اسماء المتحدثين، ووافاني مشكورا بالاسماء الكريمة المتحدثة وارسلت له جملة واحدة: لون واحد !، وقررت عدم الحضور
وذكرت في رسالة حميمة للاخ سعيد حين شرفني بارسال تسجيل للحفل اسباب اعتذاري.. ليس عندي اي دافع شخصي في هذه المقالة
رغم ان حافة الشخصية دوما تكون دافعا حارا في الكتابة ومن ينكرها يكون اما انه يدعي ما ليس فيه او انه لم يقف على عناصر الابداع في الكتابة…
وحين اكتب عن حدث مرثية ابو السعيد فانني اشهد الله انني اراه (الشخص والحدث) عبر سلالة الهداية لي التي اتشرف الانتساب اليها
الهداية التي تلهمني وتلهم ورثتي بالنسب وبالوعي التشبث بالدولة الهاشمية كصيغة مثلى تناسب حياة الفلسطينيين والاردنيين وربما لاحقا تناسب مجتمعات اخرى تؤمن بالهاشمية (كسلالة حاكمة دأب على وصفها عدنان ابو عودة، بانها فوق القبلية وفوق التعصب الديني وفوق الجغرافيا).
وباب الهداية عندي كان عدنان رحمه الله اخر (قطب) له معناه ودلالته في حياكة الابرة النابلسية لرتق التشتت في مدن فلسطين التي راحت بالاحتلال والتي ظلت بدفاع الاردنيين (الجيش) واهلها تبحث عن مخرج بعد ضياع جواهر فلسطين التاريخية…
كانت نابلس بالمعنى التاريخي زعامة وموقفا صانعة الظلال والبريق في امر الوحدة مع المشرق (وكان اول مداد الشهداء منها فدوى للعرش ابراهيم هاشم الذي زم الدم الى القضاء الى حكمة الشيوخ وما انحنى، وسليمان طوقان القائد المريد الشهيد واحمد طوقان صانع النصر في احداث الفتنة الكبرى عام ١٩٧٠، وعبداللطيف العنبتاوي وفائق العنبتاوي والحاج معزوز المصري، وعادل الشكعة، وعبد الرؤوف الفارس، وحمدي كنعان، وعبدالقادر الصالح، وخالد الفياض، وعادل الزواتي) كلهم كانوا رجالات وحدة في نابلس وزعماء وطن حقيقيين…
ولما الت الدنيا بعد السبعين لجيل من الشباب متدفق وعارف ومتقدم برغبة وبقرار من الحسين رحمه الله كان عدنان الشعلة والمنارة والمنى وحط في بسمان القصر والمراح والقرار واشهد الله انه لبى خالفناه كثيرا في صحيفة الرأي حين كانت الرأي بوابة للوطن
وتعلمت منه (العم العزيز، كثيرا وغزيرا كان معي، واحلى ما في ابو السعيد انه لم يعرف الحقد قط ويحاورك وانت توجه له مر النقد باعتبار تفاوت في النظر ليس اكثر).
باستثناء عريف الحفل، وكلمة سعيد ابو عودة، والشاب الذي قرأ القرآن.. لم افهم ما علاقة المتحدثين بابي السعيد رحمه الله، وبارثه!؟.. لقد حزنت حزن الرجال على مشهد ان احد الحضور يتحدث عن ابي السعيد وكأنه عاصره طوال حياته وهو لم يعرفه الا حين تقاعد، وكان المستمع بصبر نصوح المجالي (ابو ذاكر) نصوح رفيق درب عدنان التاريخي واحمد العتوم ابو مهند لا يتحدثون في مرثية ابو السعيد
ويقوم نفر بكل التبجيل لهم ولادوارهم في الحياة الاردنية الجديدة لم يعايشوه في الصحافة وهناك نفر عايشه طوال حياته ولم يعايشوه في المقر السامي، طوال فترة اللهب الثمانيناتي والتسعيناتي ولم يعرفوا اسباب غضبه وعتبه وحزنه وفرحه كل ما في الامر
ان المجموعة التي نظمت مرثية ابو السعيد مستولية بالكامل على قرار الحياة العامة في الاردن ولا اسميهم جماعة الاعتقاد هولاء
هم (جماعة الاختطاف) في اوسمة الدولة يصنعون لوبي ضاغط وفي التوزير (يشللون المناصب) من شللية وفي مراكز الدراسات يطغون بحضورهم على كل العضوية….
وبسرعة اقول، انا لا اشجب شطارة وفهلوة التركيبة الجديدة وقدرتها على صناعة النجوم وحماية التخوم من كل راغب وتردعه واعرف قدرات (محمد وفهد وجعفر) في السيارات والطيارات وحوار المذاهب وتطوير الاجتهاد الديني واعرف اكثر مما يوحي به سذاجة المشهد
لكنني لم اكن اتخيل ان الاختطاف يدرك الاموات ولم اتخيل ان قانون المشورة المفروض على النخب كقانون ازاحي وابعادي قد ادرك القبور مثلما ادرك التسرب للقصور!؟
لم اتخيل أن يتجرأ احد على اختطاف ارث رجل تاريخي مثل ابو السعيد ويعمل على ان يكون نصوح المجالي مستمعا وطارق باشا علاء الدين مستبعدا ورجائي باشا الدجاني قاعدا في صفوف الخلف واحمد العتوم غائبا وخالد الكركي غير موجودا وعلي الفزاع تم عدم التفكير به…
كنت اتمنى ان يكون في الحفل صاحب المقام الذي لا يجارى في نبله وهاشميته (الحسن بن طلال، الذي نصح معالي ابو السعيد امامي عام ١٩٩٤ في فندق السينت ريجس في نيويورك) الا يذهب بعيدا في فكره فيساء الظن به اي بفكره..
كل هولاء وغيرهم عاشو وعايشو ابو السعيد تم اجلاسهم بالقاعة كمستمعين لتاريخ صنعوه في الاردن مع الفقيد ورشق علينا نفر وهم كلهم محترمون وشباب او ختيارية لهم لونهم وتجربتهم لكنهم حتى من اعد كتاب المذكرات لم (يشربوا روح عدنان) ذلك ظن وان كان بعض الظن اثم…
نحن امة اردنية احسن العرب وانبل العرب واطهر قلوب العرب لكننا امة عجزت عن اتقان فن الوداع رحم الله ابو السعيد.. لقد اختطف في حياته واختطف في مماته.. ورغم ذلك لا ينقصه ذلك حقا في قلوب محبيه ولا ذاكرة الوطن الحقيقية..
كنت اود ان اسأل عباقرة جماعة الاختطاف (انتم تمسكون بخناق كل مفاصل الدولة، فلماذا شغلتم انفسكم بحفل التأبين، وحرمتم ابو السعيد من مكان دفن يستحقه ويليق به والقرار هو لكم؟!)
الاختطاف ليس صفة فرسانية، وانما هو فكرة سياسية، قد تنجح وتطيح بكل الخصوم لكنها في النهاية فكرة تخلو من البراءة وبالتالي الوطن منها سيظل حذرا..
نشرت في : @عمون