ليس غريبا ان تستجيب اللغة وافكارها الى التحديق في ظلال المرحلة.. ولعل من اهم خلود ادب امريكا اللاتينية في رائعة (الحب في زمن الكوليرا) هو تلك الاستجابة الرفيعة والحاسمة لظروف اولءك القوم حين داهمتهم تلك المصيبة ..والموت في زمن (الكورونا) مثل الحب في زمن الحسين، نقيضان لا بد من ان يخلد الموت كما يخلد الحب حتى نكون واقعيين وصادقين في توصيف المرحلة!!!
(هذا التحوط احببت البدء به لانني لا اجد اوجب من الموت جلالا، ليكتب عنه في مرحلتنا الراهنة فهو عنوان النجاة حين نتذكر قسوة الموت علينا ومن كل من حولنا)
اليوم ساكتب عن مربية سيدة حلبية اربداوية ، علمت صبية اهل البارحة الفرنسية والحب نادية فتح الله الطرابلسي ام رومان الزميل الواعي
وزوجة المرحوم منير حداد الذي كان احد منصات العشق الابدي في حياتي رحمها الله لحقت بمنير على عجل وليس غريبا عنهما فقد عاشا قصة حب مجوسية منذ ان اختطف قلبها في حلب حين سكن منزل اهلها ….
اكتب من خلال الوفاء لروحهما ( منير ونادية ) عن اربد الوعي …
اي الطرق تسلك حتى تدرك ( تلة خالد ) في قاع السفوح اليرموكية… تلك التلة التي استخدمها خالد بن الوليد منذ اليوم الثالث في لهيب صبف التعريب بالمعركة التاريخية (اليوموك) كمستشفى ميداني، وتقف على ربوتها فلا بد ان طيفين يخترقان روحك..
ذراع (هرقل الامبراطور) الممدودة على اطلال سهول اهراء روما يودعها لاخر مرة في حياته ويترك بدلك وصية (رغبة عارمة للاجيال اللاحقة في اوروبا بحتمية الاياب لديار العرب في بلاد الشام، مرة غورو، ومرة ارناط، ومرة ريكاردوس، حتى ابن غوريون وببغن وكل ابناء المساكين من اليهود الذين ساموهم الاوروبين بابشع ما يكون عليه الكيد ، انضموا للاهثين ، برغبة الاياب لبلادنا )
والامر الثاني الذي يخترقك في زحمة تاريخ اربد ( فسحة الشمال من الوطن ) هي قصة استشهاد (عكرمة بن ابي جهل) على ذراع ابن عمه خالد بن الوليد كان عكرمة احد ابطال اليرموك الميامين واثخنه (ماهان وجنده) جراحا ازت الى وفاته في ليل اليوم الثالث الاقاسي الحزين …
وضعه خالد في الليل على ذراعه في التلة التي اضحت على مدار تاريخ بلاد الشام ملكه ( تلة خالد ) وهو يلفظ عكرمة اخر نفس بكاه خالد بحرقة وارسل زفرة عنب للخليفة الذي عزله قبل لحظات وقال (زعم ابن ابي حنتمة انا لا نستشهد) …
ومن اتهام خالد للخليفة العادل ( بالزعم ) حتى يومنا هذا ثمة مزاعم لبعض ( جغرافيين ) يظنون ان الممان لهم دون غيرهم ونحن نرد عليهم اننا دوما مستعدون للشهادة دفاعا عن وطن اوله احيازه للامة حين ودع هرقل بادب وليس اخره منزل الشريف الاعظم الحسين الاكرم في العقبة الذي اذن بان تكون هذي البلاد طيبة بطيب اهلها وتغني على مهلها ..
اربد لم تكن بعيدة عني اية لحظة في الحياة قبل ان نخلق كان لنا اعمام واصهار واحباب ورفاق هوى في اربد كانت شوربة العدس في كل مغاريب نابلس في بلدتنا ( بديا ) هي بوابة الدعاء لاربد واهلوها في كل اذان لان العدس ياتينا من اعمامنا ال الشرع طعمة ونرسل لهم زيت الزيتون سنويا يتم هذا الاهداء بالتبادل.
وحين كبرنا كبرت حصتنا في اربد .. وعلى حواف الدراسة في الجامعة الام … ظلت اربد شهوتنا وموطن احلامنا ننقب في ضلوعها عن امتع عظام الوعي التي نسند بها ظهورنا …
كنا نهاجر الى الشمال ليس في المواسم بل صارت الهجرة الى الشمال طبعا ثابتا …
كان سمير الحباشنة اول من اقتنى سيارة (الاوبل ريكورد) في سبعينيات القرن الماضي، وكان هو ومحمد داودية اول المنتجين الذين يتكرمون علينا ونحن طلبة عند الحاجة بالاضافة الى نظمي محافظة.. وفي اربد كان الملتقى شبه اسبوعي… حوار دامس صاخب بقضايا الوطن وهمومه ، وبوعي يتلاقى فيه الماركسي مع البعثي مع الوجودي مع التروتسكي مع الشاعر ورجل البنوك والكاتب للقصة والناقد.
كانت ندوة مذهلة تقام في منزل الملقب ب ( سارتر ) مهندس البلدية الذي اتى به عبد الرزاق طبيشات لنزاهته وصدقه كان منير حداد
رحمه الله المعزب او اخوه الاكبر شاعر اليسار الذي كان ظاهرة في السبعينيات مثل محمود درويش المرحوم ادوارد حداد..
وبصورة راقية ارقى من كل امهاتنا واخواتنا تمكن الاخوين (منير وادوارد) من الاتيان بزوجتين ساحرتين بالوعي والخلق زوجات لهما
واخوات سهام رحمها الله (ام سيزيف) تزوجت ادوارد ونادية (ام رومان) اختارت واختارها حبيبة منذ سنتها الجامعية الاولى..
كنا نروح في تلك الاماسي الصيفية حين يرتع الناس في ( كرم النيازي ) بالبارحة بالفقوس والبامية والبندورة البلدية…
يصل محمد داودية ومعه (يحيى النميري) / امجد ناصر ، واحيانا ابو كساب من المفرق ويجيء ناجح الخطيب من الرمثا ونواف العبابنة من سال .. ونظمي محافظة من كفر جايز وكمال العزة ( احيانا ) من جرش وبسام سركيس وخليل قنديل وعارف قندح من البارحة )
وياتي سمير حباشنه وانا معه من عمان وقد يكون نظمي محافظة قد جاء معنا من عمان … يبدا الحديث عن ادق تفاصيل الحياة في قرى الجنوب حيث كان يخدم ( الداودية والمحافظة ) ولا يتوقف عن تقييم تجربة سارتر واين اخطا صلاح جديد واين اصاب صدام حسين والى اين ستوول الامور في فتح بعد برنامج النقاط العشر حتى صباح الجمعة كنا ( نقصر عند المعازيب) ولا نوم
ليس المهم اننا نحن من لا ينام فعدم النوم لذة من لذائذ اليسار وفكره لكن من كان لا ينام تلك القلعة الحلبية التي ما ان تنتهي
من لملمة اطباق العشاء المتاخر جدا حتى تباشر الاعداد لافطار الصباح كانت سهام بنت حلب التي ورثت فروسية سيف الدولة وشاعرية المتنبي تقضي الليل دون تذمر قط وهي تقوم على خدمة نادي الثرثرة البريء والمعمق للوعي بالحوار كما كانت نادية العاملة كمربية
ولديها طفلان والظروف المادية كانت عالقد ( سيارة داتسون صغيرة ) هي اعلى شان في حياة المهندس والمعلمة كانت نادية اول معلمة لي رحمها الله في كيفية اضافة الفرحة لخدمة الضيف… واول مرة تعرفت على المكدوس وعلى اللبنة المدورة والبندورة المجففة بالزيت كان في بيت نادية ومنير
كنت اول المنحرفين سياسيا في الشلة الى اليمين ( يعني باتجاه الدولة / في تجربة المنتدى الانساني ) ورغم اننا لم نكن ننتمي لحزب واحد الا انني تعرضت لوابل من النقد على تلك الانعطافة المبكرة ….
وفي جلسة الحساب والمساءلة كان كل الاحبة متشنجين الا منير ونادية التي جلست وشاركت قال منير من حق احمد ان نستمع لاسبابه
وحكيت اول موازرة وافتني ورفعت من معنوياتي قد جاءت من ( ام رومان / نادية بنت حلب ) قالت لي لا ترد عليهن توكل على الله وعيش حياتك وقناعتك وكذلك فعل منير
اليوم احزنني فراق نادية فقد مات منير وانا خارج الديار وماتت نادية وقد حاصرتنا الكورونا فلم نتمكن من حضور فراقها كانت نادية اجمل فتاة في الشمال بخلقها وفي بيتها وقعت قصة حبي لمها ذهبنا لزيارتهم اصدقاء لاقدم مها الدمشقية المحافظة لهذا البيت التقدمي
لتتعرف على جانب اخر مني وحين غادرنا عند المساء مسكت بيد مها وقلت لها سنبني بيتنا مليئا بالفرح مثل هذا البيت وننجب اولادا مميزين مثل رومان وراكان ووتواعدنا على هذا وحين جرجرت رومان الى مهنة الصحافة واغويته فيها لم اكن اعرف انني اخطات بحق اجمل عائلة في حياتي لو بقي قاضيا رومان مثله مثل اسامة لكان افضل لهما واكرم من مهنة يدحش كل جاهل صراخه ومكائده في قلوب اتباعها
رحم الله نادية فلقد علمتنا ان المسافة بين اربد وحلب درب من عروبة ولا نامت اعين فقهاء الاقلمة والجغرافيا وحواة السفارات فنادية
كانت في عروبتها استاذة لقنت اطفالنا الصواب
كان اول احساسي العارم بالابوة وضرورة الاسراع في خلق اسرة..
وافيت ذلك البيت مع مها اصدقاء وغادرناه متفقين على الزواج والانجاب..
فقد كان رومان شهوة شلتنا وكان راكان اجمل طفولة..
اترحم اليوم على روحها.. تلك الروح التي مدت درب العروبة من جديد بين حلب واربد..
يرحمها الله
نشرت في : @عمون