بقلم: عمر كُلاب
هل يجوز الكتابة عن نص لم يظهر بعد ، ولم يقدم أوراق منشئه للجمهور وشهادة اعتماده ؟ لا أظنه جائز الا في حالات استثنائية ، اذا التقط الكاتب بعض تفاصيل النص الذي ينتظر شهادة الولادة من المطبعة ، والاستثناء الآخر اذا كان كاتب النص مجبولا بالحبر والحرف والثقافة والاشكالية ، ولعل النص موضوع المقالة وصاحبه يمتازان بكل صفات الجدل والاشكالية ، ليس بحكم جدلية الموضوع لكن بحكم جدلية الكاتب وموقعه في الحياة السياسية والصحفية والثقافية . اذا كان الانسان يحتفظ ببصمته الوراثية الخاصة ويتفرد بها ، فإن احمد سلامة الكاتب والسياسي له بصمتان ، اولاهما بصمته الجينية وثانيهما بصمة حرفه وذائقته الكتابية الخاصة التي تتفرد عن باقي الذوائق والحروف ، قبل ايام تم الافراج عن بعض كتاب لاحمد يبوح فيه عن عمان وبعض ذاكرتها وامكنتها ، ليعذرني من كتب ذاك النص في الزميلة عمون الحبيبة ولا أظنه احدا من ذواتها ، فلم يكن حاضرا حرف احمد وذائقته الخاصة في نصّه ، وربما ابتعد اكثر واقول لم تكن روح احمد في ذلك النص ابدا وربما من كتب اجتهد اكثر مما ينبغي فقرأ كما يشاء لا كما ينبغي . بحكم خصوصية العلاقة وربما بحكم امتلاك جرأة التلميذ النجيب على استاذه ، هاتفت احمد معاتبا على نص لا ينتمي اليه ، وأقول ببعض فخر وجراءة انه افاض في قبول ما قلته ، وأفاض بكرمه على تلميذه بأن منحه اسرار النص القادم ومفاتيحه ، فالنص عمّاني بإمتياز وسياسي بما يفيض عن وجع عمان في الاسبوع الماضي وصوفي بما يليق بمكانة عاصمة الوجد والروح وجبالها ورجالها . عماننا تحتاج الى من يراجع مكانها ومكانتها بروح الجغرافيا وعقل التاريخ ، فالجغرافيا تاريخ ساكن والتاريخ جغرافيا متحركة ، وكلما اوغلت عمان في احدى المبحثين فقدت ذائقتها وأخال احمد في بوحه يحاول ترشيد عقل المكان لصالح المكانة عبر بوابات ثلاث ، كما يحب احمد ان يقرأ الاشياء بثلاثية ، ابتداءً من المنسف وانتهاء بأي شيء ، فالعتبة الاولى هي ذاكرة مكان ابتدأ من زقاقات عمان القديمة وانتهى في المقر السامي مرورا بحرم الجامعة الأم التي نبضت في قلب العاصمة اردنية الهوى ، بدأت مع شاب جاب عمان القديمة تروتسكيا ثوريا وانتهى به المقام في المقر السامي ، وخلال تلك الرحلة قرأ احمد المكان بعقل الثورة العربية الكبرى وبوعي الفكر اليساري الذي تجرأ احمد عليه في القراءة لصالح الفكرة ومكانها ومكانتها وليس لتعداد رجالها او اجراء صورة اشعة سياسية تارة مقطعية وتارات سينية فقط ، فالحادثة يتم ذكرها لتكريس العاصمة لا للخوض في الذكريات مع الرجال خدشا او ترطيبا . أقف على عتبة البوح الثانية لأنها عتبة نسائية لها الشفاعة في الفكر الصوفي ومريديه ، اقف عند عتبة الاميرة بسمة بنت طلال ، التي ابرز ما فيها بسمتها وقبل ذلك نسبها ، وفوق كل ذلك أدبها ودورها في الحياة العامة الذي تجرأت عليه مجموعة واجترأت عليه اخرى وقلة حفظت له اسبقيته ، فبيت بسمة كان منتدى الفكر الاردني واول بوابة المثقف للقاء الحسين -رحمه الله- بل وأول عتبة للتعارف البينيّ ، على تلة تكاتف اول مشروع للطبقة الوسطى سكنت الاميرة ، فغافلت الندى وحولته رذاذا يطرّي نشافة السياسة بالثقافة فأوردت الى نبع الدولة ثُلة من المثقفين منهم من اكمل ومنهم من غادر دنيانا الفانية ومنهم من بقي على الوعد ومنهم من خالف . ثالث العتبات صبي اختلس دور الأب في لحظة وجع نبيل أصاب احمد ، فكان فراس سلامة نموذجا لاب صغير قدم بعضا من جسده لأبيه في نموذج مقلوب للواقع الروحي والاجتماعي ، وسط إذعان من احمد الذي كان يفتدي الابناء بكل الجسد لا بعضه ، فجاء الكتاب ليعيد التوازن الى الخليقة العمّانية الضائعة في افتداء الابن لابيه او تضحية الأب الحميمة لابنه ، فكل بناء أدبي له سرديته الخاصة وأظنني اجتهد في مواءمة سردية النص مع مقاصده التي اعرف ، فسردية الاميرة فيها من العتب على الثقافة وناسها اكثر ما فيها من إزالة الحجاب عن تاريخ بيت عمّاني هاشمي استكثرت عليه النخبة شفاعته ، وسردية ثالوث الاماكن فيها من الحياء والخفر من أحمد اكثر ما فيها من سرد مكان ومكانة او تشريح علائقي وفراس حكاية علاقة اسرية خبرناها في عماننا وافتقدناها في عمان .
@انباء الوطن