الذي فعلته عمون في تبني هذا الحوار السامي بين المهندس جمال الصرايرة، والدكتور بسام العموش، على صفحاتها ان تصيره منهاجا، وتشيعه بالتكرار بين الناس عله يسهم في تشذيب الذائقة الوطنية، ذلك ان الساحة تفتقر الى هكذا حوارات تكون فيها وجهات النظر واضحة وتخلو من اضافات ثقافة الشارع التي اصبحت ثقافة الفضاء الالكتروني وتخلو في معظمها من اي مضمون…
ولقد..
اذنت لنفسي اجراء تدخل في أمر التفاوت بالنظر وزاوية الرؤية لرجلين فاضلين مثلا على نحو ما مدرسة التصوف والثانية منهج الاخوان المسلمين واحد علماء الاردن في الفقه الاسلامي
ولقد بدأ التفاوت في النظر بين (جمال المهندس وبسام الدكتور) جراء ندوة تم اقتطاع جزء منها خص الدكتور بسام العموش برأيه في امر التداخل بين التصوف والتشيع والتحذير من اختطاف المساجد والمنابر وتجييشها لمصلحة التشيع عبر بوابة او منصة التصوف..
ولقد..
رد الدكتور المهندس جمال الصرايرة، على ما اعتبره (تهمة) من الدكتور بسام العموش وشكل رده مرافعة طيبة عن التصوف في الاسلام..
والحق ان تداخل التصوف بالفكر الشيعي كان عندي جرأة وفكرة جديدة على تتبعي المتواصل من الدكتور بسام، ولم اسمع بها من قبل قط
وليس مرادي من هذه المداخلة سوى التعبير اولا عن اعجابي حد الدعاء ان تعمم هذه الظاهرة في الحوار، وثانيا أن ابدي الرأي في الذي يكتب سنة اسلامية حميدة ولا اريد ترجيح رأي على رأي بل اقول وجهة نظري التي امنت بها وعرفتها، ولهذا اكتب فاقول:
اولا: في حدود ما تعلمناه في الجامعة الاردنية، وفي الازهر الشريف فان التصوف ليس كله في درب واحد كما المذاهب الاخرى في الاسلام، ويمكن ايجاز التصوف كمنابع بثلاث مدارس استتبت على ما دونها في الاسلام.
الاولى: المدرسة الاندلسية ومبلور منهجها الشيخ محي الدين بن عربي، رضي الله عنه.. الذي ابتدأ محطته الاولى في الاندلس ومر على مصر وتعمق في تقواه بمكة المكرمة وطاف هنا وهناك واستقر مقاما مهيبا الحق به حي باكمله في دمشق
الثانية: مدرسة (الجنيد) وهي بغدادية بصرف النظر عن اصول مؤسسها الجنيد رضي الله عنه، وهي مدرسة شاع عنها عروبتها ودحضها لكل بدعة حتى انها تخلت عن الحلاج وادانته..
الثالثة: المدرسة (المولوية) وهي منسوبة كلها الى مولانا جلال الدين الرومي والحق بها اضافات شمس الدين التبريزي الذي بدأ حياته في حلقات الشيخ محي الدين وانتهى به المقام في قبر واحد مع جلال الدين الرومي.
تلك مدارس التصوف الرئيسة ولم يعرف التداخل بين اي منها وبين الفكر الشيعي الايراني الذي هو بحال بعيدة عن شريعتنا ولو يجوز ان يقال بأن التشيع الفارسي هو ديانة اخرى تداخلت فيها اساطير ايران مع الاسلمة لكن تحت امر (من كفر مسلما فقد كفر) اقول ان التشيع الايراني عانى من تغرب عن الاسلام بصورة تقلق اتباعه المخلصين..
وقد اجازف بالقول.. ان الخلوة النبوية التي كانت اول البشرى بالتنزيل هي خلوة تصوفية في غار حراء وهذا الصفاء الروحاني الذي ملأ قلب الحبيب المصطفى المعصوم صلوات الله عليه وسلامه، لا يمكن الاستغناء عن معاني الروحانيات المقتبسة من الزهد والتصوف
بفرحة البشرية تلقيها اول قبس من ضوء الوحي بقول جل جلاله (اقرأ باسم ربك الذي خلق)..
لا يمكن الاستغناء عن التصوف لفهم تلك المأثرة الروحانية والرسالة الصمدية..
ان ما هو ثابت باليقين والمدرك ان (امامنا الاشعري رضي الله عنه وارضاه) ومن ماثله من (الماتريدية) اعترافه بالتصوف وانه كان متصوفا في الكثير مما ابدع به في تفسير الآيات الكريمة..
وما التشبث بموقف الامام احمد بن تيمية الذي غالى في ادانته للصوفية لظرفه وظرفهم في المواجهة الكبرى ابان غزوة الصليبين القبيحة على بلادنا كمنطلق للحكم ووصم التصوف بالمطلق لهو قول صعب اقراره ومن الظلم القبول به من عالم جليل.
لست بصدد الدفاع عن التصوف لان مدارس التصوف المعدودة والمحتشمة والقائمة على العلم النبوي ليست بحاجة الى دليل انها على صواب باذن الله، لكن الاستعانة كما اورد العالم الجليل بعض امثلة من سخافات جهلاء كوقف الصلاة والاسراء وهو نائم والى غير ذلك
فالمشعوذون ليسوا في صف المتصوفة حصرا ولهم متشابهات لدى اهل الجماعة واهل التشيع وغير ذلك من مدارس الايمان المتفرعة
عن هاتيك المنصات الثلاث..
واعود للقول…
كما ان ادانة التصوف بطريقة الاستعلاء والتجاهل لدوره الروحاني فان من المبغوض اعتبار حركة الاخوان المسلمين اهل فكر مغلق ودعاة تعصب والغاء للرأي الاخر.
الاخوان المسلمون هم قوم لهم ما هو معروف عنهم من انشداد لواحدية الرأي، والتشبث في تطبيق العقيدة من وجهة نظرهم وحدهم
ولقد اخطأوا واصابوا في مسيرتهم التنظيمية التي اوصلتهم الى اخفاقات حين ادركوا سدة الحكم في تونس وفي مصر وقبل ذلك في السودان، لكن خصومهم لم يكونوا ملائكة قط وانني اذ اخص رأيي هذا بفرع الاخوان المسلمين في بلادنا (الاردن وفلسطين) فانهم ظلوا من حفظة النسيج الوطني وتمتعوا بمرونة لم تتحقق لسواهم ولو ان من اصاب الحكم في بلاد مجاورة تمتع بمرونة (جماعتنا) لكان حالهم مختلف.
واذا كان جمال الصرايرة من حملة قناديل التصوف الباهية فان الكثير من عائلته المحترمة قد اوقدت نار الجهاد في سبيل الله والاقصى
في اطار جماعة الاخوان المسلمين لن ينسى الاقصى الشريف ممدوح الصرايرة المجاهد العنيد الذي كان يتلقى رصاص يهود وهو يدافع عن الاقصى جرحا لجرح ودمعا لدم مع بهجت ابو غربية وجيش عبدالله بن الحسين باكف حابس وربعه..
عنيت باستلال هذا المثل لاقول ان النورانية في بلادنا تسير جنبا الى جنب مع المنهج البرهاني ولم تختلف اي قبيلة عن قبيلة الصرايرة
لا شرقي النهر ولا غربه في ذاك التداخل بين البرهانيين والنورانيين…
انني التمس بل واتمنى ان يحدث التلاقي بين النورانيين والبرهانيين والامنيين في الاردن بعيدا عن مآدب السفارات وتأثير التمويلات الدولية في مؤتمر وطني لنبحث في صورة من صور دور او تأثير عقدي لنا
ماذا يحول دون ان يدعو مفكر عالم مثل جمال الصرايرة وبسام العموش ومن هم في سويتهم لطرح سؤال تاريخي.. هل رسالة عمان
استطاعت ونجحت في التعبير عن (رسالة الهاشميين في التصوف والسلف والاخوان وذوي الفكر المستقل؟!)
ازعم ان انقضاض بن لادن والظواهري واتباعهما على حضارة الغرب بصورة متسرعة ومجنونة قد منحت اتباع الفكر الهاشمي فرصة انبات صيغة حضارية جدا لـ (حركة اصلاح ديني) وتنفض عن الامة غبار قرون ودهور من السبات والصمت
لكل من يدعي قدرة اصلاح المجتمع عن طريق احزاب تعلب على عجل وان نمضي الى حكومات برلمانية فهذا امل وطموح اتمنى ان اكون مخطئا حين اقول ان ذلك سباحة في وهم سراب وكذلك الاصلاح الاقتصادي نفس الشيء ودعاة الفلسفة الغربية الليبرالية التي لا تناسبنا
ان امامنا لحظة في التاريخ لن تتكرر عطف امريكي اوروبي على كياننا الوطني وقيادتنا العفيفة المتسامحة المتحدرة من قلب فكرة النبوة وامتنا الاردنية تحوي تنوعا ليس اي كيان للعرب على شاكلته..
نعم ولدينا علماء في الفقه الاسلامي بدل ان ينشغلوا في قضايا فرعية يمكن ان يكون مخرجنا الوطني عبر ان تتبنى مجموعة من العلماء
ومجموعة من الامنيين في الجيش العربي والمخابرات والامن مؤتمرا وطنيا تناقش فيه كيف للأمة ان تسترد مساجدها ووعاظها كيف للأمة ان تسترد منابرها وخطبة الجمعة، التي تأثيرها يلجم المخدرات ويحل قضايا البطالة والعنف، كيف للأمة ان تضع أسس نهضة لحركة اصلاح ديني شاملة جسورة ومبدعة
نحن دولة الامة ونحن ورثة مشروع النهضة ونحن من افتتح الملك المؤسس رضي الله عنه مقر الاخوان المسلمين الذي كان رأس الاخوان
عبداللطيف ابو قورة قبل الشيخ همام سعيد والشيخ عبدالمجيد ذنيبات..
كان الاردن لكل العرب ولكل المسلمين وهذا هو مفتاح الاصلاح الديني وليس المطلوب طمأنة الامن وحده بل على الامن ان يسيس برنامجه والا يظل رهين (مطفيء الحرائق الامن وريث رسالة نبوية تجمع ولا تفرق)
ان الاصلاح الديني وحده القادر على ان يكون سحرنا وسرنا وسعادتنا وعلى العلماء الذين تمكنوا من فتح (كوة) في جدار الصمت بحوار الاخوان والتصوف واجب رفع الصوت الوطني البديل لكل ما نحاوله ولا نحقق كل المراد هو الاصلاح الديني ومن داخل مؤسسة التدين نفسها
باسم السبع المثاني ابدأ والدعاء لـ عبدالله الثاني اواصل..